الخميس 2021/10/14

آخر تحديث: 18:08 (بيروت)

وهل هناك رياضة وطنية أخرى يمارسها اللبنانيون؟

الخميس 2021/10/14
وهل هناك رياضة وطنية أخرى يمارسها اللبنانيون؟
© Getty
increase حجم الخط decrease

لكل شعب رياضته الوطنية، التي تشكل جزءاً من هويته ومزاجه وعصبيته. بعض الشعوب، تختار كرة القدم، أو كرة السلة، أو كرة القاعدة، أو الكرة الطائرة..المهم أن هناك كرة ما يتفاوت حجمها، وتتنوع مساحة ملاعبها، وتتعدد أرقام مدارجها ومقاعدها. لكنها  كلها تثير منافسات حامية بين فريقين ، وبين جمهورين، لا تخلو من العنف ولا تمت بصلة الى الرياضة نفسها، بوصفها نشاطاً صحياً نبيلاً.

ليس للبنان مثل هذه الرياضة، ولا تلك الهوية. ولا يزاول شعبه منافسات رياضية فعلية، تجتذب جمهوراً واسعاً، وتثير جدالاً حامياً.. لاسباب معروفة، ليس من بينها الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، التي لا تسمح بمثل هذا الترف الشعبي. ثمة في الاصل نقص في الجدارة وفي المهارة، وفي خطورة التنافس الرياضي في بلد مفتعل وشعب مصطنع، يمكن أن يعطل أو يشوه أي مباراة رياضية، حتى ولو كانت بين فريقين للاطفال.

وعليه، يصبح من  الأرجح، والأسلم، والأدق، التعاطي مع الاشتباك الاهلي الذي جرى في منطقة الطيونة اليوم وسقط ضحيته خمسة قتلى وأكثر من ثلاثين جريحاً، وقبله في خلدة وسقط ضحيته عدد مماثل من القتلى والجرحى، وقبله في طرابلس وعكار وبعلبك..بإعتباره جزءاً من الدوري اللبناني العام لتلك الرياضة الوطنية الخطرة، التي يزاولها اللبنانيون جميعاً، والتي تنتظم مبارياتها على مدار السنة، بأمل الفوز بكأس البطولة السنوي.

بالطبع يمكن تضخيم مثل هذا الدوري العام، وإدراج مبارياته الاسبوعية او نصف الشهرية، في سياق أبعد من الرياضة التقليدية التي يمارسها بقية البشر. لكن الاندية اللبنانية المشاركة، والرياضيين المتنافسين، وتكتيكاتهم التي تخلو في معظم الاحيان من الروح الرياضية، لا يقدمون أدلة كافية تدعم المزاعم القائلة مثلاً ان إشتباك الطيونة تحديداً، يضع البلد فعلاً على حافة العودة الى الحرب الاهلية. وهي جملة مملة تتكرر مع كل مباراة، تستبدل فيها الكرة بالبندقية، وتتحول فيها المنازل والمدارس والمستشفيات الى أهداف..

لماذا يُحال هذا الاشتباك بالذات الى الحرب الاهلية؟ الفرز الطائفي والجغرافيا الشاهدة؟ لكن، سبق ان كان هناك أكثر من إشتباك مسيحي شيعي، في أكثر من موقع على مساحة لبنان، وبينها ما هو قريب من الطيونة. مثلما سبق ان كان هناك أكثر من إشتباك سني مسيحي، أو سني شيعي، أو درزي مسيحي، من دون أن تخرب الدنيا، سوى لايام أو لاسابيع، ثم يعود الجميع الى بيوتهم وكأن شيئاً لم يكن.

لعل جمهور إشتباك الطيونة، كان متحمساً أكثر من أي وقت مضى. لكنه أمر طبيعي جداً في أي بلد في العالم تخاض منافساته الرياضية بطريقة حماسية مفرطة. المهم في المباراة الاخيرة، أنه ظل التصويب محصوراً بين فريقين "رياضيين" محترفين، من دون ان يفلت في أوساط جمهوريهما. والاهم أيضا أن الهتافات والشتائم ظلت في إطارها "الطائفي" المألوف، ولم تنجرف هذه المرة نحو إتهام رياضيي الثنائي الشيعي مثلاً بتنفيذ أوامر إيرانية، أو نحو إتهام رياضيي حزب "القوات اللبنانية" بتنفيذ أوامر سعودية أو أميركية، أو حتى بتقديم الولاء للمسؤولة الاميركية فيكتوريا نولاند التي كانت تتجول في محيط ملعب الطيونة لحظة المباراة!.. ترددت شعارات وصرخات ضد العهد والحكومة وضد الثنائي، وضد ثالثهما القواتي، لكنها كانت كلها من تقاليد الملاعب والاندية اللبنانية على إختلافها. 

إنتهت المبارة الاخيرة بمثل ما إنتهت اليه مختلف المباريات المشابهة، ربما كان عدد القتلى أقل، وعدد الجرحى أكبر هذه المرة. لكن الدوري مفتوحٌ على فرص كثيرة للتعويض في المنافسات المقبلة، التي قد تتغير فيها الملاعب والفرق والجماهير، لكنها لن تكون من خارج الدوري العام.. الذي بات المقياس الوحيد، لشعبية الشيعة المتراجعة، وقوة الموارنة المستحضرة، وغيبة السنّة المتمادية، وغفوة الدروز المؤقتة..

الجماهير اللبنانية كلها تعرف، أن هذا الدوري دخل في تصفياته النهائية، ويرجح ان تشهد مسابقاته المقررة من الآن وحتى موعد توزيع الكؤوس والميداليات في الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، المزيد من القتلى والجرحى.. والمزيد من الالتزام بتلك الرياضة الوطنية المشوّقة.       

        

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها