الإثنين 2021/01/25

آخر تحديث: 19:07 (بيروت)

رسالة رياض سلامة

الإثنين 2021/01/25
رسالة رياض سلامة
increase حجم الخط decrease
لم يكذب كثيرون من الطبّالين في إعلام 14 آذار في الإشارة إلى الدوافع السياسية للتحقيق في تحويلات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لا يعني ذلك طبعاً أن القضاء مُسيّس، بل إن طلب التحقيق والتحرك في هذا الاتجاه، ليس منفصلاً عن السياق السياسي العام. ذلك أن لحظة التحقيق في تحويل موظف حكومي، مئات ملايين الدولارات، هي نُقطة تحول تُنبئ بالمزيد من الحصار والنبذ حيال طبقة سياسية لا تُحرك ساكناً أمام أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية طاحنة تعصف باللبنانيين منذ سنوات.

طبعاً، كذب هؤلاء في كل شيء آخر، وتحديداً الإدعاءات التافهة والمثيرة للضحك بأن نائباً لبنانياً وسجيناً سابقاً يملك نفوذاً كافياً في سويسرا يُخوله إطلاق تحقيق بهذا الحجم. وهذا السجال الإعلامي والدفاع المستميت يُذكرنا بمدى تشابه الخصوم السياسيين في لبنان، وأدواتهم في الاعلام. ما الفارق اليوم بين إدانة القضاء السويسري بهذا الشكل، وبين تخوين المحكمة الخاصة بلبنان استباقاً لحكمها في قضية اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري ومجموعة من المواطنين والنواب والصحافيين؟ ثقافة الإفلات من العقاب ورفض منطق الدولة وحكم القانون، واحدة عند الجانبين، بغض النظر عن محاورهم أو اصطفافاتهم الداخلية.

لكن في المقابل، هناك خلفية سياسية عامة لها علاقة بالتحقيق في قضية تحويلات سلامة، وهي على ارتباط بالتبدلات الكبرى في الملف اللبناني في الأوساط الغربية، الأوروبية والآن الأميركية.

لهذا، وبعيداً عن المسار القضائي لمسألة التحويلات المالية للخارج، بإمكاننا الخروج باستنتاجين واضحين من هذا الإعلان المهم الأسبوع الماضي.
 

أولاً، مسار المفاوضات الإيراني منفصل عمّا يحدث في لبنان. ربما ومن هذا المنطلق، بإمكاننا فهم الاختلاف الفرنسي-الأميركي في شأن المفاوضات النووية الإيرانية. أراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تضمين الملف اللبناني في المفاوضات السرية الأميركية، لكن ذلك لم ولن يحصل كما يبدو. لكن هناك في السلطة السياسية اللبنانية من كان يُعول على هذه المحادثات ونتائجها للخروج من مأزق الإصلاحات، والاستفادة من زخم أي اتفاق، بما أن "حزب الله" بات عرّاب النخبة الحاكمة وواقع الحال في لبنان. لن يحصل هذا الأمر، وهو بات عملياً خارج الحسبان. والتحقيق في قضية رياض سلامة إشارة في هذا الاتجاه.

ثانياً، الطبقة السياسية لا تُجيد قراءة التحولات الدولية. تستند الى خرافات وأساطير ومؤامرات في قراءتها للعالم وتُعظم دور الولايات المتحدة والتبدلات فيها. صحيح أن القوى السياسية الأساسية قادرة على إدارة مجتمعاتها، والتحريض ضد الخصوم ومعاقبتهم، لكنها في الوقت ذاته عاجزة عن فهم التحولات الدولية والتعامل معها بحنكة. القراءة الأوروبية للوضع اللبناني هي نتاج سنوات من الملل في انتظار وعي في الطبقة السياسية، وأي حركة إصلاحات على المستوى الداخلي. هذا لم يحصل. في مقابل هذا اليأس والإحباط من الواقع اللبناني والجمود فيه، تتوقع أوساط دبلوماسية الغربية انهياراً اقتصادياً وآلاماً أعمق بكثير مما نشهد الآن.

وبالتالي، بالنسبة لهؤلاء، يُمثل التحقيق في التحويلات المالية، وقد بدأ للتو، نقلة في التعاطي السياسي في لبنان، باتجاه إدانة الطبقة السياسية برمتها، والإمساك بسردية الإنهيار. خلال شهور، ستُسرب الى الاعلام معطيات كثيرة عن التحويلات والحسابات الهائلة والصادمة للسياسيين اللبنانيين بكافة انتماءاتهم.

لكن الطبقة السياسية لن تتسلح بوعي سياسي وتُحاول الاقدام على خطوات انقاذية، بل سترى في التحقيقات والفضائح المتتالية جزءاً من المفاوضات، أو محاولات "حرتقة" داخلية. هم ركاب سفينة تغرق ببطء، فيما تتسرب المياه الى امتيازاتهم وأبنائهم وأصهرتهم، وهم مشغولون عنها في حياكة الأوهام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها