الخميس 2021/01/21

آخر تحديث: 11:08 (بيروت)

عِظة بايدن..ووصية ترامب

الخميس 2021/01/21
عِظة بايدن..ووصية ترامب
increase حجم الخط decrease
لم يصبح دونالد ترامب من الماضي، ولن يكون جو بايدن هو المستقبل. هي مجرد إستراحة محاربَين، مرحلة إنتقالية بين "حربين"، تحسم نتيجتها بعد أربع سنوات.

مرّ حفل التنصيب بسلام، فقط لأن الرئيس السابق قرر أن يكبح جموحه. كان يمكنه ان يشاغب، أن يخرب، أن يشتم، أن يطيل التحليق الصاخب في سماء واشنطن، أن يرمي أكياس النفايات من الطائرة على مبنى الكونغرس..مثل هذا السلوك هو أقرب الى شخصيته وطبعه. لكنه لم يفعل، إكتفى بالتهديد بالعودة الى العاصمة، على رأس حزب، أو تظاهرة، أو ربما مليشيا مسلحة..للانتقام من الدولة العميقة التي أخرجته عنوة من معابدها. قرر فقط أن يمنح الرئيس الجديد فرصة كي يثبت قدرته على..الفشل.

أدى بايدن دور الكاهن-الكهل- بإتقان. إستعاد مهاراته الخطابية، برغم تلعثمه مرات عديدة، ليلقي عظة مطولة، ومملة، على جمهور يحنّ الى هذا النوع من التبشير بالمحبة، بالوحدة الوطنية، والتحذير من الحرب الاهلية.. لكنه تجرأ على ذكر المخاطر الثلاثة التي تهدد اميركا وأمنها وإستقرارها اليوم: نزعة التفوق الابيض والإرهاب المحلي والعنصرية. كاد يقول ان الصدع الاميركي أعمق مما هو ظاهر للعيان. وكاد يقول أن الديموقراطية الاميركية في مأزق، لا في أزمة عابرة.

أثار الكاهن الجديد لأميركا الشفقة والعطف، أكثر مما بث الثقة والطمأنينة: هو يدخل الى معبد عريق، تضربه الجائحة بعنف، وتودي بأرواح تفوق أعدادها ما قدمته أميركا في الحرب العالمية الثانية. الايمان لا يكفي لحماية الباقين، ولا الالتزام بمعايير السلامة. الفوضى والتخبط، أكبر من أن يوقف الكارثة الوطنية. الدولة الفيدرالية، لا تزال تبدو وكأنها غائبة، او على الاقل غير فعالة في وقف عداد الموت القياسي..الذي فتحه القس السابق بطريقة جهنمية.  

الوعود الاقتصادية التي أطلقها الكاهن الجديد وخص بها الفقراء والطبقة الوسطى، كانت أشبه بنصوص وعبارات مستوحاة من الكتب الدينية، تستعين بالوحى الالهي، الذي يختم رسالته الدائمة  بالاشارة الى الجنة الموعودة، إذا ضاق الحال، وتعثر الخلاص أو تأخر.. خصوصاً وأن القس السابق ترك خلفه ما يشبه الخراب، قبل أن يرسل مريديه حاملين المشاعل، مهددين بإحراق المعبد، على من فيه.

طقوس حفل التنصيب وبرتوكولاته المكررة، كانت من جهة تعبيراً عن الحرص على الاعراف والتقاليد والتمسك بالدستور، لكنها كانت أيضا تذكيراً بما فعله ترامب في مبنى الكونغرس وفي البيت الابيض وبقية أجزاء المعبد، وبما سببه من ضررٍ وأذى، قد يستغرق بايدن، سنواته الاربع المقبلة قبل ان يتمكن من إعادة الحياة الى طبيعتها في الدولة العظمى ومؤسساتها ومختلف أقلياتها.

ولعل بايدن قد إختير لأداء هذه المهمة بالتحديد: سنة كاملة أو أكثر لإحتواء خطر كورونا وسلالاته، التي تفتك بأميركا أكثر من أي بلد من العالم، والذي يحط بالولايات المتحدة الى مرتبة عالمية دنيا. سنة كاملة أو أكثر لإستيعاب الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها الوباء، والعنصرية. سنة أو أقل للشروع في عملية إنتقال السلطة والدخول في معركة الانتخابات الرئاسية الضارية، التي لن يكون ترامب بمنأى عنها، ولا جمهوره المتربص للانقضاض على عاصمة الإتحاد الاميركي المتصدع.

أربع سنوات كاملة يمكن أن تغيب فيها أميركا عن المسرح العالمي، وتتفرغ لترميم الهيكل القديم، أو تضطر الى بناء هيكل جديد، شركة مساهمة مختلفة، ترث عناصر القوة، وتكمل مسيرة اختراع الاحلام وتحقيقها. وهي ستكون أربع سنوات دولية صعبة، لأنها ستطلق العنان دول كبرى مارقة، أو حاقدة، لتدّعي الزعامة الدولية، ولتتنافس على إنتزاع النفوذ الاميركي المتضائل، في مختلف أنحاء العالم، ولتنشر الخراب في محيطها وفي الاقاليم القريبة منها.. تحت شعار وراثة أميركا وتقليد سلوكها، أو حتى الالتزام بوصيتها التي تركها ترامب، والتي فوضت إسرائيل، على سبيل المثال، أن تكون شرطيّ الشرق ومرشده الأعلى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها