newsأسرار المدن

"السلطة" تنتقل للهجوم

مهند الحاج عليالجمعة 2021/08/13
حسان دياب.jpeg
حجم الخط
مشاركة عبر

لم يكن قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مفاجئاً، لا بل كان التوقيت وقحاً لجهة حدوثه قبل تشكيل الحكومة المقبلة برئاسة نجيب ميقاتي بأيام. كان معلوماً أن حكومة حسان دياب لم تكن سوى فرقة من "المغفلين المفيدين" للسلطة، والهدف منها تلقي الضربات والإهانات ريثما يصل الانهيار إلى قعره، أي رفع الدعم بالكامل عن كل شيء. وافق هؤلاء ضمنياً على المهمة مقابل بعض الامتيازات وألقاب المعالي.

وهذه ليست مؤامرة خفية، بل بالإمكان قراءة علاماتها من تصريحات المسؤولين السياسيين وإشاراتهم خلال الشهور الماضية. المطلوب رفع الدعم وتلقي حكومة دياب الصفعات وتحمل المسؤولية عن مآل الأمور، قبل تشكيل الحكومة من السلطة السياسية. لكن دياب قرر ألا يتخذ أي قرارات ويترك الكرة في ملعب رياض سلامة، لا بل حتى قرر الاعتكاف في منزله وعدم عقد اجتماعات لفريقه الوزاري. 

هنا ربما خطرت فكرة أخرى على بال أقطاب السلطة، تتمثل برفع الدعم من خلال رياض سلامة، ومن ثم تأجيل إقرار البطاقة التمويلية الى حكومة تتشكل بعد أيام من القرار. هكذا، يتحمل سلامة، المكروه أساساً، المزيد من الكراهية واللوم، ويُلام حسان دياب على عدم توفير شبكة أمان لحماية الناس، ومن ثم تأتي حكومة انقاذية تتخذ الإجراءات المطلوبة للتخفيف من وطأة قرار رفع الدعم ومضاعفة سعر صفيحتي البنزين والمازوت، مرات عديدة.

لحظة تشكيل الحكومة المقبلة، ستنتقل السلطة السياسية من موقعها الدفاعي - إذ تتلقى منذ العام 2019 النقد اللاذع محلياً ومن المجتمع الدولي - الى موقع هجومي تتولى فيه تسجيل إنجازات، وإنتاج سردية لأحداث السنتين الماضيتين. خلال السنتين الماضيتين، كانت الطبقة السياسية تملك فكرة واضحة حيال مسار الانهيار في لبنان، ولم يكن تأجيل الحكومة والتشبث بالمواقف، عناداً غير مفهوم، بل كان انتظاراً للوقت المناسب للتشكيل.

ذاك أن فترة حسان دياب شهدت تحميل المواطنين اللبنانيين وتحديداً أصحاب الدخل المحدود، كلفة الانهيار بأسرها، بدءاً من سلب المودعين أموالهم من خلال بدعة السحب على سعر 3900 ليرة، وترك القطاع المصرفي يُهرّب أموال المودعين الكبار والسياسيين من دون رقابة أو تحرك في هذا المجال، وفتح المجال لأقطاب السلطة وأزلامهم بجني أموال طائلة من تهريب المواد المدعومة بمختلف أنواعها، وأخيراً بترك رياض سلامة يرفع الدعم من دون أي خطوات للتخفيف من أثاره. ذاك أن الخطوة الأخيرة من اختصاص حكومة السلطة ورئيسها، وليس رئيس حكومة برتبة غفير. يرتفع سعر البنزين مئتي ألف ليرة مرة واحدة أيام حسان دياب، لتأتي حكومة جديدة وينخفص السعر مئة ألف نتيجة انخفاض سعر صرف الدولار، وتُوزع البطاقة التمويلية لحماية أصحاب الدخل المحدود من الأزلام. هذا انتصار أول على هزيمة ماحقة لأصحاب الدخل المحدود بعد رفع الدعم بالكامل.

خلال هذه الفترة، سُلب الناس من كل شيء، والسيناريو المقبل هو أن تأتي حكومة جديدة وتُعيد الفتات الى الناس على شكل بطاقات دعم محدودة لعائلات وبعض الخدمات وإدارة أفضل للأزمة. ولكن في ظل هذا الوضع، سيُعاد تشكيل العقد الاجتماعي بين السلطة والناس، بشروط أقل سخاء مما كان قائماً خلال العقود الماضية. الفتات مقابل الولاء. ومثل هذه العملية لن تخلو من بعض العنف لردع الناس عن أي معارضة. سنرى مزيجاً من العصا والجزرة.

خلال الفترة الماضية، لم تتوقف الطبقة السياسية عن جني الأرباح، لا بل ضاعفت قدراتها مع تهريب الأموال والبضائع المهربة وإكمال عمليات النصب أيام الهندسات المالية، من خلال التلاعب بسعر صرف الدولار في تدخلات مشبوهة. هذا النهج سيستمر خلال الفترة المقبلة، ولكن بأشكال أخرى، ورغم أي ضوابط خارجية متوقعة.

وفي نهاية المطاف، ما يجعل كل هذا ممكناً هو فشل الحركات البديلة في تشكيل أي تهديد أو على الأقل وضع مكابح للسلطة في محطات مهمة كرفع الدعم مثلاً. معظمها حركات قشورية غير مستعدة للتضحية، ولن تُمثل يوماً تهديداً لسلطة، بل أقصى مداها هو أن تكون رافعة لشاب طموح الى المجلس النيابي. 

حتى هذا ليس ممكناً، إذ لن تجري الانتخابات في موعدها، وستُؤجل بموافقة دولية أيضاً ريثما تتوافر الظروف لاعادة القطار الى سكته وكأن أمراً لم يحدث.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث