الأحد 2020/09/27

آخر تحديث: 16:00 (بيروت)

خرافات لبنانية..وفرنسية

الأحد 2020/09/27
خرافات لبنانية..وفرنسية
ماكرون في بعبدا (Getty)
increase حجم الخط decrease
هل كانت المبادرة الفرنسية فرصة ضائعة، أم مجرد سحابة صيف عابرة؟

لن يسلّم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون بسهولة أنه أخفق في التعامل مع وكر الافاعي والعقارب اللبنانية، عندما توجه على عجل الى بيروت في أعقاب إنفجار المرفأ حاملاً الكثير من التعاطف والقليل التفويض. كانت حركته المفاجئة، ولا تزال، أشبه بمحاولة لسد فراغ في بلد يقف على حافة الانهيار، ولا يريد أحد من العرب والعالم أن يقترب منه.

الوقائع المتأخرة لما يسمى بالمبادرة الفرنسية، أكدت ان ماكرون، طلب وحصل من إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، على مهلة ما بين ستة أشهر وسنة، لكي يجرب حظه في منع "تجدد الحرب الاهلية" اللبنانية، حسب تعبيره الخاص، او الحؤول دون "زوال" دولة لبنان عن الخريطة العالمية، حسب القول المكرر لوزير خارجيته جان أيف لودريان. جاءت موافقة واشنطن، مصحوبة بتجديد الالتزام الاميركي بالموقف المناهض لحزب الله وسلاحه ودوره في الحياة السياسية.. ومشفوعة بالعقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.

الخطأ الاول الذي إرتكبه ماكرون، والذي ينم عن سذاجة او على الاقل عن سؤ فهم، هو ثقته بان التحذير من تجدد الحرب والاهلية او حتى من زوال لبنان، يمكن ان يرعب المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، الذين لم يغادروا أصلاً خنادق الحرب ومتاريسها، وإن كانوا قد خلعوا الازياء العسكرية، وإرتدوا ملابس مدنية تليق بالامراء، او الرؤساء والوزراء والنواب، وما زالوا يحتفظون في مكاتبهم بخرائط لبنانية قديمة مرسومة بالدماء، وكتب تاريخية ودينية حافلة بالمذابح والهجرات.

لم يثبت حتى الآن ما إذا كان الخطأ الفرنسي الثاني هو الاطمئنان الى الدعم الاميركي الذي تأكد وجوده فعلاً، برغم أنه إتخذ أشكالاً غريبة تتناسب مع أسلوب إدارة ترامب في إعتماد سياسة الضغوط القصوى على الخصوم، إيران تحديداً، من أجل دعم الحلفاء.. وهو ما برر الاستنتاج بأن ذلك الدعم لم يكن مشروطاً فقط ، بل كان منقوصاً أيضا؛ برغم ان الاميركيين لم يكونوا بعيدين عن مسعى ماكرون ل"نفض" النظام اللبناني برمته، بإعتبار أنه فقد صلاحيته. وهم على سبيل المثال أيدوا فكرة الشروع بالمداورة، التي أطلقها الفرنسيون كخطوة تجريبية أولى نحو تفكيك الطائفية، ولم يمانعوا في إستيعاب حزب الله في الحكومة.. في وزارات لن تتخلى واشنطن طبعا عن مقاطعتها.

لكن هذه المعطيات لا تسمح وحدها بالقفز الى الاستنتاج، على الطريقة اللبنانية التقليدية، بأن ثمة مؤامرة خارجية، وقفت وتقف خلف كل ما جرى في لبنان في الشهرين الماضيين، وعطلت المبادرة الفرنسية، التي لم تكن في الاصل تنطلق من قاعدة سياسية صلبة، بل من منصة عاطفية رخوة، وكانت تفتقر الى أدوات الضغط والتأثير على الأفاعي والعقارب اللبنانية، وهي لذلك سقطت عند أول إمتحان جدي.  

لن تعترف باريس بالسقوط، بل بالتعثر والتأجيل. وهنا خطأ ثالث، قاتل: بديل المبادرة الفرنسية لن يكون سوى المزيد من الفراغ والفوضى والاضطراب اللبناني. وهو ما يأتي هذه المرة ، كما في كل مرة مرفقاً بنظريات لبنانية، أقلها الزعم بأن تلك المبادرة كانت محكومة منذ البدء بالفشل المؤدي الى تفاقم الازمة في لبنان. وهذه بالتحديد هي المؤامرة. أما أكثرها شيوعاً الآن أن أحداً من المتعاطين مع هذه الازمة لم يكن يريد تسوية قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، التي يمكن ان تسفر عن "شق الغبار اللبناني" وتبديد الغموض في مواقف القوى المحلية! من دون أن ينسى أحد التذكير بأن أول المنتظرين لنتائج فرز أصوات الناخبين الاميركيين بعد خمسة أسابيع هي إيران، التي طلبت من الثنائي الشيعي تعطيل مبادرة ماكرون..أو بأن موقف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الاخير الذي دعا فيه الى نزع سلاح حزب الله، هو الذي أنهى كل شيء!

الشك بأن طهران هي التي حرضت الثنائي الشيعي على إتخاذ هذا الموقف السياسي الانتحاري، ليس عليه حتى الآن. وهو يشبه الظن في سؤ الموقف السعودي، المكرر والمعاد. هذه المرة، يبدو أن الثنائي الشيعي يخوض معركته "الاخيرة" لوحده، ومن دون دعم او حتى معرفة من طهران. توجيه ضربة قوية الى عهد الرئيس ميشال عون الذي رفض "تشيع" وزارة المالية، لم يكن بحاجة الى قرار إيراني. مثلما لم يكن الرئيس سعد الحريري ليقدم على التسليم، ولو لمرة واحدة، بالهوية المذهبية لتلك الوزارة، لو كان يأخذ في الحسبان موقف السعودية.

الصراعات اللبنانية الداخلية كانت حاسمة هذه المرة، وفي أكثر من مرة سابقة، في تعطيل (تأجيل) المبادرة الفرنسية، التي لم تكن منذ بدايتها جذابة بما فيه الكفاية لأي من القوى السياسية اللبنانية، التي إعتادت التطلع الى عواصم أخرى أكثر إغراء من باريس..على رأسها واشنطن؟       

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها