الجمعة 2020/09/11

آخر تحديث: 06:51 (بيروت)

ألغام أميركية للمبادرة الفرنسية

الجمعة 2020/09/11
ألغام أميركية للمبادرة الفرنسية
increase حجم الخط decrease
ليس تفصيلاً أن العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، هبطت عليهما قبل أيام فقط من انتهاء المهلة الفرنسية لتشكيل الحكومة اللبنانية. التوقيت هنا رسالة. ولو كان الأميركيون على صفحة واحدة مع المبادرة الفرنسية، لانتظروا أياماً قليلة لانقضاء المهلة وبعدها إعلان مفاجأتهم المدوية، ليُساعدوا بذلك جهود باريس في ارغام الطبقة السياسية اللبنانية على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. لكن واشنطن ارتأت التقويض وإلى حد ما، الاستخفاف، في التعاطي مع الجانب الفرنسي ومبادرته، ربما للاعتراض على اللقاء بين الرئيس ايمانويل ماكرون ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، والقبول بتمثيل الحزب في الحكومة. 

لماذا على السياسيين اللبنانيين أن يكترثوا فعلاً بالتهديدات الفرنسية بعقوبات بحقهم، إذا كانت الولايات المتحدة تسير أصلاً بهذا الخط، وبغض النظر عن حدوث تقدم في المبادرة والإصلاحات من عدمه؟

أولى نتائج العقوبات الأميركية هي إعادة المبادرة الفرنسية الى حجمها الطبيعي. ذلك أن باريس لا تملك النفوذ الكافي لوقف العقوبات، سيما أنها اختارت مقاربة الملف اللبناني على مستوى اقتصادي، مع التركيز على الإصلاحات المرجوة لفتح الطريق أمام مساعدات مالية للبنان. في المقابل، ترى واشنطن السياسة والاقتصاد في لبنان، من منظار "حزب الله" المسؤول، وفقاً للإدارة الحالية، عن كل مصائب البلاد. تريد الإدارة الأميركية عزل مسؤولين سياسيين من خلال العقوبات، وبالتالي حرمانهم من الدخول مجدداً في أي حكومة مستقبلية.

وهنا تكمن معضلة حقيقية. هل يُقدم "حزب الله" وحلفاؤه تنازلات أساسية في إطار المبادرة الفرنسية، بدلاً من انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد شهرين للبناء عليها في مقاربة الوضعين الإقليمي والمحلي؟

يرى التنظيم إيجابيات في المبادرة الفرنسية. أولاً، لا مناص من الإصلاحات والحصول على دعم دولي لإنقاذ الاقتصاد اللبناني أو ما تبقى منه، والحؤول دون انهيار شامل في البلاد. ولكن الحزب لا يريد الضغط على حلفائه من أجل تحقيق هذه الإصلاحات، إذ إن لذلك ثمناً سياسياً كما ظهر في الهجمة العونية على التنظيم بعد التصويت ضد معمل سلعاتا في جلسة لمجلس الوزراء. تولي فرنسا مهمة الضغط على حلفاء الحزب، يُوفر عليه الكثير سياسياً. ثانياً، فك "حزب الله" عزلته الدولية من خلال اللقاء مع ماكرون والمقاربة الفرنسية. وهذا النوع من التطبيع مفيد للتنظيم سياسياً، ومن الصعب التفريط به.

لكن للعقوبات الأميركية أثراً على مسار المبادرة الفرنسية وجديتها وسرعتها. سلبت العقوبات المبادرة من زخمها بعد زيارة الرئيس ماكرون الى بيروت مطلع هذا الشهر. وبات من الصعب أخذ التهديدات الفرنسية بمعاقبة المتلكئين على محمل الجد، فيما تُواصل واشنطن فرض عقوباتها بمعزل عن المبادرة. ما يُبقي المبادرة الفرنسية على قيد الحياة هو "حزب الله" والخوف من انهيار شامل قد يخلط الأوراق لبنانياً ويفتح الباب أمام تحديات جديدة وربما مفاجئة.

النتيجة هي العودة إلى مسار سلحفاة السياسة اللبنانية ومحاولات المماطلة والتأجيل. قد لا يبقى مصطفى أديب رئيساً مكلفاً للحكومة، وهناك محاولة لإعادة التفاوض على شكل الحكومة المرتقبة أولاً، وعلى التمثيل فيها من خلال إبقاء بعض الحصص الأساسية.

عملياً، سنكون خلال الأيام والأسابيع المقبلة أمام محاولات لإنعاش المبادرة الفرنسية، لكن كلما تراكمت العقوبات، بانت عُرضة الدور الفرنسي للتخريب وعدم انسجامه مع السياسة الأميركية. ومصالح الناس هنا ليست أولوية، كما ظهر في حريق المرفأ والاستهتار بملفات لا تُحصى، وقد نُفاجأ مرات بمدى قدرة السياسيين على الإهمال القاتل فداء للمصالح والمكاسب السياسية مهما كانت ضيقة مقارنة بمعاناة الناس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها