الإثنين 2020/08/03

آخر تحديث: 15:38 (بيروت)

إستقالة لا توجب التهنئة

الإثنين 2020/08/03
إستقالة لا توجب التهنئة
الوزير حتي في الخارجية بعد الاستقالة(عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
كتاب الاستقالة الذي صاغه وزير الخارجية ناصيف حتّي والذي يشبه بيان النعي للدولة ومؤسساتها ولعهد الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، لن يزيل الخطيئة الاصلية التي إرتكبها ذاك الدبلوماسي المخضرم، عندما إنضم قبل ستة أشهر الى المركب الغارق، مفارقاً تاريخه الشخصي والسياسي، ومناهضاً لغالبية لبنانية ساحقة كانت ولا تزال تشهد على إحتضار لبنان.

كان قبوله الوزارة يومها مفاجأة صادمة، وإكتشافاً متأخراً لصلات ناصيف حتّي بالتيار العوني العليل، نسبها البعض الى فترة عمله الطويلة والناجحة كسفير للجامعة العربية في باريس، لكن هذا النسب ظل موضع شك وإستفهام في ضؤ ماضيه الخاص الذي لم يكن على صلة معلنة بأي تنظيم سياسي لبناني محلي، بل ربما إقتصر الأمر على صداقات مع بعض العونيين.

الاستقالة ترد بلا شك على هذا السؤال وتعلن البراءة والطهارة من التيار العوني البائس، الذي كان يود أن يستهلك رصيداً دبلوماسياً لبنانياً قديماً ويخسره، بصفته الوزير الوحيد ربما الذي كان يمكن أن يرمّم علاقات لبنان الخارجية، العربية والأجنبية، ويعيد إليها قدراً من التوازن المفقود منذ العام 2005 وحتى اليوم.

الكتاب الموجع بلغته وجرأة مضمونه، هو تحصيل حاصل من سؤ إدارة الرئيس عون وصهره للشأن الوطني، وهو ما لا يحتاج الى أدلة إضافية يقدمها ذلك الثنائي الحاكم للمواطن اللبناني يوماً بعد يوم.. وكان يتوقع أن تظل السياسة الخارجية اللبنانية، بمنأى عنها، على الأقل عندما يكون الزعم أن ثمة حكومة جديدة تكنوقراطية، حيادية، مستقلة..وهو ما كان يختزل فعلا بشخص ناصيف حتّي وحده قبل سواه من بقية الوزراء، قبل ان يردد فور توليه الوزارة كلام عون-باسيل الحرفي عن اسطورة ال50 مليار دولار التي تمثل خسائر الاقتصاد اللبناني من النزوح السوري.

ليس من باب الثناء القول ان عون- باسيل لاحظا بعد أشهر قليلة أنهما ليسا بحاجة الى شخص مهني محترف ومجرب مثل ناصيف حتّي، بل هو باب الهجاء للعهد ولحلفه المكلِف مع حزب الله، الذي لا يحتمل أقل من وزير للخارجية يداوم أسبوعياً في مقر وزارة الخارجية السورية في دمشق، ويتردد مرة في الشهر على مقر وزارة الخارجية الايرانية في طهران،ويلعن بشكل يومي كل من يناهض "العاصمتين المقدستين"، ويدين في كل مناسبة المؤامرة الكونية عليهما، على ما درجت العادة في الأعوام ال15 الماضية..وعلى نحو ما يدأب أحد الوزراء السابقين حتى اليوم.

وعليه، يجوز التقدير بأن العهد والحزب يميلان الى إقفال تلك النافذة الضيقة التي فتحت مع تعيين ناصيف حتّي والعودة الى نهجهما السابق، في التعامل مع السياسة الخارجية للدولة اللبنانية، بوصفها رديفة ل"خيار المقاومة"،وناطقة بلسانها، لا باحثة عن فرص لحماية البلد وخياراتها المتعددة. هكذا يتوقع أن تجري الرياح، لا سيما مع إقتراب دمشق وطهران من ساعة الحقيقة، التي يبدو أنها تدق الآن في بيروت أكثر مما تدق في العاصمتين الالهيتين.

لن تكون قفزة ناصيف حتّي من المركب الغارق، في المجهول. العهد والحزب يعرفان بدقة ما يريدان من السياسة الخارجية في هذه المرحلة بالذات. لديهما رئيس حكومة قوي يمكن ان يعلن الحرب على العرب جميعا وعلى الغرب بكامله من دون أن يرف له جفن، مدعوماً بوزراء لن يتورعوا عن التهديد بإزالة إسرائيل من الوجود خلال سبع دقائق ونصف الدقيقة.

نجا ناصيف حتّي من الغرق، لكن لبنان خسر فرصة، ولو بسيطة، لكي يدعي أنه ما زال دولة مؤسسات، وما زالت لديه سياسة خارجية تتصل بتاريخه المتنوع، وتحمي مصالحه المتعددة، وتسهم في تجنيبه الخراب الكبير.

لا داعي أبداً للفرح بالاستقالة أو لإعتبارها نصراً جديداً لثورة 17 تشرين..لا سيما إذا ظلت تقتصر على وزير واحد من عهد كامل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها