الخميس 2020/08/27

آخر تحديث: 15:49 (بيروت)

هوامش على الورقة الفرنسية

الخميس 2020/08/27
هوامش على الورقة الفرنسية
ماكرون وعون (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
ما يسمى ب"الورقة الفرنسية" التي عرضت على كبار المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، وستناقش في خلال الزيارة الثانية للرئيس ايمانويل ماكرون الى بيروت الاسبوع المقبل، ليست سوى ورقة بديهيات، ومسلمات، متفق عليها من الجميع، وهي تكاد تكون أشبه بتعليق صحافي أكثر من كونها إعلان نوايا، او نصائح، او حتى توجيهات رئاسية فرنسية الى السلطة اللبنانية.

لا مانع طبعاً أن تكون الورقة، إذا ثبت وجودها وإذا تأكد أنها رسمية، مجرد رأي او تعليق كُتب للنشر أو النقاش. لعل في ذلك ما يكسبها قيمة تنقصها، وفرصة تفتقدها..على الرغم من أنها حتى الآن النص الوحيد الذي ورد من خارج الحدود اللبنانية، ليطرح على بساط البحث الداخلي اللبناني لائحة أولويات يدركها أصلاً جميع اللبنانيين وكل من قارب الازمة اللبنانية في الاونة الاخيرة، لكن أحداً لا يعرف كيفية تحقيقها بواسطة المجموعة السياسية الحاكمة.

 لم يكتب الاميركيون ورقة، بل عبروا من خلال موفدهم ديفيد هيل عن شكاوى وتحذيرات من خطورة جمود السلطة اللبنانية وآليات عملها، من دون ان يصلوا الى حد صياغة اقتراحات او توصيات.ربما لأنهم يودون ترك المهمة للفرنسيين الآن، ثم لصندوق النقد الدولي الذي سيتحول في المستقبل القريب الى مرشد "روحي" مؤثر للاصلاح والتغيير الاقتصادي والمالي وتاليا السياسي المنشود في لبنان..الذي تواكبه واشنطن بضغوط وعقوبات على رموز السلطة من التيار العوني وحزب الله.

أما العرب، فان مقاربتهم للشأن اللبناني لم تعد سياسية، وهي لا تقارن بأي من المقاربات السابقة عبر التاريخ التي كان فيها الشريك العربي حاضراً بل أحيانا متقدماً على بقية الشركاء الذين صنعوا حقبات الاستقرار اللبناني. إغاثة المنكوبين اللبنانيين من كارثة إنفجار مرفأ بيروت، عكست تغييرا ظاهراً في سلوك غالبية الدول العربية التي تفرض ما يشبه الحصار على لبنان، لكنه تغيير ظرفي ومؤقت. وباستثناء الوعود القطرية والكويتية بضخ الاستثمارات في الاقتصاد اللبناني فإنه ما زال يصعب العثور على رؤية عربية تعبر عن الثقة بلبنان ومستقبله الاقتصادي والسياسي.. وبالتالي عن الرغبة في تخفيف الحصار على شعبه، للاسباب التي تتكرر يوميا، وتلقي المسؤولية على حزب الله وأسطورة سيطرته المطلقة على الدولة والمجتمع والامن والاقتصاد والمال والاجتماع..والذي من دون سحب سلاحه لا يستقيم أمرٌ في لبنان.

الثابت، من الورقة نفسها، ان فرنسا لا تتبنى هذه الاسطورة، ولا حتى اميركا، بل هي تعتبرها وصفة للإنهيار وللاذعان اللبناني أمام قوة حزب الله، التي كان ولا يزال يمكن تحديها وتفكيكها بالقليل من الحنكة والفطنة، والدهاء السياسي الذي يفتقر اليه خصومه اللبنانيون،لا سيما أولئك الذين يشترطون الحصول سلفاً على الأموال من الخارج لخوض معاركهم الداخلية مع الحزب. 

الورقة الفرنسية هي بهذا المعنى تفنيد لتلك النظرية التي تسلم لبنان "بلا قتال" الى حزب الله ومحوره القوي،وهي في المقابل يمكن ان تستخدم  كسلاح سياسي جدي في المواجهة مع ذلك المحور، الذي لا يستطيع أن يزعم أنه تمكن من السيطرة على منطقة نفوذ فرنسي تقليدي أو من إغلاق بوابة التسهيلات التي يتمتع بها الاميركيون في لبنان، ولا تقتصر على التسهيلات العسكرية او الامنية..

لا تبوح الورقة بهذا البعد السياسي، ولا تفسر طبعاً ذلك التراجع الكبير الذي تعكسه عن الخطاب الرسمي الفرنسي الذي عبر عنه الرئيس ماكرون في زيارته الاخيرة الى لبنان وأطلق خلالها سلسلة إستنتاجات مدوية عن الحاجة الى تغيير النظام الطائفي اللبناني بالكامل والى تجديد مؤسساته ورموزه الموروثة من الحرب الاهلية. لكن ذلك لا يدع مجالا للشك في مغزى العودة الفرنسية (والاميركية) الى الاهتمام بلبنان، والحرص على عدم وقوعه أسير القبضة الايرانية او السورية المفترضة. ومن هذه الزاوية، ينظر الفرنسيون والاميركيون الى روسيا وتركيا وحتى الصين، كمنافسين جديين على النفوذ في لبنان، أكثر من المنافس الايراني او السوري الواهن. وهو ما يفسر الى حد بعيد العرض العسكري الفرنسي والاميركي والاوروبي عموما الذي يرافق الآن عمليات إغاثة المنكوبين من كارثة انفجار المرفأ.

لا يغيب عن البال في نقاش الورقة الفرنسية وأي أفكار خارجية تطرح لمعالجة الازمة اللبنانية، حقيقة مفادها ان لبنان لم يعد بلداً  مغرياً للتنافس الاقليمي او الدولي. إنفجار المرفأ حرك الكثير من المشاعر والقليل من المصالح. لكن إحتمال يأس الفرنسيين وجميع المتفاعلين مع الكارثة اللبنانية، باليأس من إمكان الاصلاح والتغيير يبقى وارداً بل مرجحاً.. ومعه إحتمال أن تنفض اليد الفرنسية والخارجية عن لبنان ودولته، بإعتبارهما مكاناً موبوءاً بما هو أسوأ من كورونا. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها