الأحد 2020/08/23

آخر تحديث: 17:50 (بيروت)

تهويمات البطريرك والسيد حسن

الأحد 2020/08/23
تهويمات البطريرك والسيد حسن
increase حجم الخط decrease
في سجالهما المتصاعد ما يثير الذهول أكثر من القلق: رجلا دين ودنيا، يعيشان في بلد واحد، ويقيمان في قارة واحدة، ويسكنان على كوكب واحد، يتبادلان، بلغة مواربة لا تخلو من الخبث، مواقف حادة وردوداً جارحة، طبعا من دون أن يسمي أحدهما الاخر أو يذكر طائفته أو بيئته أو حزبه..

ليس هناك زيف أو إفتعال  في السجال الدائر حاليا بين البطريرك الماروني بشارة الراعي، وبين الامين العام لحزب الله حسن نصرالله. وقائعه الاخيرة كانت فاضحة، وتكاد تنذر بحصول مشادة كلامية..لولا تجاهل العقلاء وتمنّعهم عن التدخل دفاعاً عن رجلي الدين والدنيا اللذين يجدان الوقت اللازم، للتورط في سفسطة حول الحياد والتدخل الخارجي لا تجدي نفعاً.

في الجولة الاخيرة من ذلك السجال، رجحت كفة نصرالله بقوة، عندما حلق عالياً جداً في الفضاء، بحيث لم يعد يرى بالعين المجردة، وخرق معايير السياسة اللبنانية وحدودها ومفرداتها التقليدية، التي لطالما شهدت إفراطاً في المبالغة والحماسة..لكن ليس الى هذا الحد الذي بلغه  نصرالله بالامس وتفوق فيه ليس فقط على نفسه، بل على جميع ما أنتجه البلد من عقول دينية وسياسية.  

ما قاله نصرالله في اليوم الثالث من عاشوراء، لم يسبق إليه أحد من رجال الدين او الدنيا، اللبنانيين الذين غالباً ما كانت المنابر والشاشات مقتلهم السياسي. وبما أنه لم يصدر حتى اللحظة نفي رسمي من حزب الله لمضمون تلك الخطبة المذهلة، التي نقلها موقع قناة المنار وبقية المواقع الرصينة ، صار من حق البطريركية المارونية ان تتروى قليلا في الرد قبل ان تقرر التحليق في فضاء الحياد ومسالكه الوعرة.

بالحرف الواحد، وقبل ان يجف حبر المبادرة التي أطلقها البطريرك الراعي في 17 آب الحالي، قال نصر الله، مساء السبت مخاطباً الاميركيين : "لماذا يحق لكم أن تتدخلوا في شؤون الدول وتشنوا الحروب ولا يحق لنا ولغيرنا أن يمدّ يد المساعدة لهذه الدول المعتدى عليها؟ إن  الحدود الجغرافية لا تُسقط المسؤولية.. هل يستطيع أن يدّعي أحد أن وجودنا داخل حدود جغرافية معينة يسقط عنا المهام والمسؤوليات تجاه الآخرين؟ لا حدود اللون والعنصر واللغة والجغرافيا والانتماء الديني تسقط الكثير من المسؤوليات علينا تجاه الآخرين".

في هذا الموقف الذي لا يجرؤ على إطلاقه أي مسؤول صيني او روسي..أو حتى إيراني، لم يكتفِ نصرالله بوضع حزب الله في مرتبة دولة عظمى أو على الاقل قوة كبرى يفترض أن يحق لها ما يحق لأميركا، وهو ما يمكن التغاضي عنه الآن.. لكنه رمى قفاز التحدي في وجه البطريرك الذي سيجد صعوبة فائقة في إكمال مسيرة الدفاع عن مبادرة الحياد اللبناني المنشود، والمرغوب من غالبية اللبنانيين.. إذا كان الحزب لا يعترف بالحدود الدولية، لا في الاقليم ولا حتى خارجه، ويعتبر ان تدخله في الدول القريبة والبعيدة واجب ومسؤولية.

قبل احتدام هذا السجال كانت مهمة البطريرك سهلة، وهي تقتصر على الإهتمام بإقناع التيار العوني بالعودة الى داخل الحدود اللبنانية الشرعية المعترف بها دولياً، والتخلي عن الخيار الايراني الذي يعتمده صراحة رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي جدده صهره جبران باسيل، في خطبة متلفزة أخيرة له، قال فيها انه يختار طهران على واشنطن، مهما كانت العقوبات والصعوبات التي ستزول حتما عندما ينفتح باب الحوار الاميركي الايراني الحتمي ويقترب موعد الصفقة بين البلدين.

المقارنة مستبعدة بين مشكلة البطريرك مع غالبية الموارنة وخيارهم الايراني الصريح، وبين مشكلة نصرالله مع أقلية الشيعة واغلبية السنة حول ذلك الخيار بالتحديد، لكن الارتقاء بالسجال الى هذا المستوى الشاهق بين الرجلين، لا يدع مجالا للشك بان البلد أمام واحدة من أغرب المعارك السياسية..التي تضفي على جو الكآبة العامة، مسحة إضافية من الخوف، لاسيما عندما يتأكد البطريرك أن الحياد مستحيل ويبدأ البحث عن البدائل..في ظل تمسك نصرالله بحق حزبه في التدخل في أي مكان في العالم يتدخل فيه الاميركيون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها