الخميس 2020/08/13

آخر تحديث: 12:52 (بيروت)

فراغ لبناني.. لا يسده ماكرون

الخميس 2020/08/13
فراغ لبناني.. لا يسده ماكرون
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته الجميزة (Getty©)
increase حجم الخط decrease
 لم يحصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على تفويض من أحد، لا من الاوروبيين ولا الاميركيين، ولا من العرب، ولا حتى من الفرنسيين أنفسهم، لكي يبادر بإتجاه لبنان. تلقى من سفارة بلاده في بيروت ومن جهاز الاستخبارات الفرنسية، تقريراً أولياً يفيد أن صديقاً قديماً لفرنسا، تعرض لما يعادل ضربة نووية، او إنفجر به بركان مدمر، فأصاب نصف سكان عاصمته. ولم يكن بحاجة الى تقرير آخر يؤكد أن في ذلك البلد، فراغاً هائلاً على مستوى السلطة وضياعاً كاملاً بل يأساً شديداً على مستوى الشارع.

كان من السهل سد ذلك الفراغ، بحركة عفوية إستعراضية، قوبلت من الجمهور اللبناني المنكوب بإنفعالية شديدة، وصلت حتى المناداة بعودة الانتداب، الذي لا يفهمه كل لبناني ولا يقبله أي فرنسي.. وكادت تحطم السيارة الثانية من موكب ماكرون في منطقة الجميزة عندما ظن الناس أنها تحمل الرئيس ميشال عون. وإنتهت رحلة الرئيس الفرنسي المثيرة بسلسلة محاضرات زاجرة للسلطة، والقوى السياسية كافة، تمس المحرمات اللبنانية، وتعلن أن الوقت قد حان لتغيير النظام اللبناني الطائفي برمته.

منذ ذلك الحين، بدأ السؤال عما إذا كان ماكرون يستعير تلك اللغة الكولونيالية التي تخاطب بها فرنسا في العادة مستعمراتها الافريقية السابقة المفرغة من بنية الدولة والمؤسسات والقانون، على غرار لبنان، أم أنه يحمل مشروعاً أو مخططاً لتغيير النظام اللبناني العقيم، يتجاوز الوساطات التي كانت باريس قد قامت بها في الماضي بين الفرقاء اللبنانيين، ولم تؤت ثمارها.

حتى الآن، لا دليل على أن لدى ماكرون خطة أو ورقة عمل أو حتى لائحة أولويات. لكن "التدخل السياسي" المباشر الذي يقوم به حالياً، هو أكثر من وساطة وأقل من مبادرة. إعادة  بناء وإطلاق عجلة الدولة اللبنانية تتطلب البدء من نقطة الصفر، أو ما دونه، في أعقاب إنفجار بركان مرفأ بيروت، الذي عرّى جميع المؤسسات من دون إستثناء وفضح مختلف الرموز من دون تمييز.

ثمة تراكم يومي في الحركة الفرنسية، من دوافعه البحث عن دور خارجي يفتقده ماكرون شخصياً، والحرص على ألا ينفجر لبنان بالكامل الى درجة تحول دون إعادة تركيبه من جديد. مبادرة الاصلاح التي صيغت في مؤتمر "سيدر" الفرنسي فشلت، وتخطاها الزمن. والخيبة الفرنسية توازي النفور الاميركي من لبنان وطبقته السياسية المتهالكة والفاسدة، وتعبر علناً في بعض الاحيان عن الازدراء والاحتقار للمسؤولين والسياسيين اللبنانيين من مختلف الاطياف والانتماءات..

ليس لدى الفرنسيين حتى اللحظة، أفكاراً حول سبل ملء الفراغ الملموس في الرئاسات الثلاث، ولا في الحكومة ولا في البرلمان. تقديم مواعيد الانتخابات الرئاسية والنيابية ليس متاحاً، بل يكاد يكون إنقلاباً يستدرج الرد عليه في الشارع، فيتوسع الحريق الذي تسبب به بركان المرفأ. الفكرة الوحيدة المتداولة والممكنة هي العزل التدريجي للرئيسين الاول والثاني، ومعهما حزب الله، ومن خلاله إبعاد الرمز الماروني ل"خيار المقاومة" جبران باسيل، والرمز السني للعجز والإحباط سعد الحريري.

ولعل هذا التوجه هو نقطة التفاهم الوحيدة بين باريس وواشنطن، التي شهرت سلاح العقوبات المفضل لديها. وهو ما يفترض ان يسفر عن تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة، أكثر جدية في إستقلاليتها وفي حرفيتها وفي قدرتها على إزالة آثار البركان والشروع في الاصلاحات الاقتصادية الملحة للحد من مظاهر الفقر والجوع والفوضى في المجتمع اللبناني، على أمل الانتقال لاحقاً الى مرحلة الاصلاح السياسي.

تلك هي النوايا الفرنسية، المرفقة بالتمنيات الاميركية، والدولية، والمعزولة عن أي حضور سياسي عربي، يشارك في مهمة إعادة بناء الدولة اللبنانية ويستكمل عملية الاغاثة التي قام بها مختلف الاشقاء العرب، بدءا من قطر والكويت وصولا الى المغرب، ويحفز على الاقل الدعوة الى إجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب، يسأل، بالحد الادنى، الفرنسيين والاميركيين عما ينوون فعله في بلد عربي شقيق..

مهما حسنت النوايا الفرنسية، ومهما صدقت التمنيات الاميركية، فان الإستفهام اللبناني واجبٌ دائماً ، والسؤال العربي ضرورة لا بد منها.. لعل في ذلك ما يسهّل الخلاص من الطبقة السياسية اللبنانية التي تسببت بإنفجار البركان، بدل ان يعيد إنتاجها بصيغة جديدة وفق الهوى الفرنسي - الاميركي.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها