أن تستوي زعيماً في نظر الحزب، هو الوصول الى اليأس في السعي للمنصب، والاستعداد لبيع القرار السيادي ثمناً لذلك. لكن باسيل اليوم يُقارب السلطة والعلاقة مع "حزب الله" من منظور مختلف، يُحاجج بـ"الحقوق المسيحية" وضرورة المساواة بين زعماء الطوائف. بين ليلة وضحاها، صار باسيل نداً لنصر الله ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والوزراء السابق سعد الحريري والوزير السابق وليد جنبلاط، وزعيماً أكبر من الرئيس التنفيذي لحزب "القوات اللبنانية"سمير جعجع وغيره من القادة المسيحيين. وهذه الندية جاءت بمفعول رجعي، إذ يُريد باسيل تحصيل ما فاته إبان العهد السوري، وبعد عام 2005، وكأن اقتصاداً بأكمله لم ينهار ومعه منظومة كاملة من الريع.
لا يقبل باسيل بـ"لا" جواباً. بعد جلسة سابقة للحكومة وتصويت "حزب الله" مع الرافضين لمشروع غير منطقي اسمه معمل سلعاتا، شن فريق باسيل هجوماً على الحزب، ناسفاً كل أسس التفاهم معه، من "البصم" على حقه في حمل السلاح، والدفاع عن خياراته في السياسة الخارجية، الى مستقبل الدولة بأسره. صحيح أن باسيل حصل على ما يريد. لكن مثل هذا التحالف كشف عن ضعفه، ولا مستقبل له إلا في حال بقي الحزب في موقف ضعيف، كما هو الآن.
تخيلوا مثلاً لو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خسر الانتخابات الرئاسية المقبلة لمصلحة المرشح الديموقراطي جو بايدن، وعاد العمل بالاتفاق النووي مع طهران. حينها، ستعود مبيعات النفط الإيرانية، ومعها يعوم "حزب الله" مالياً وسياسياً أيضاً. هل يبقى باسيل حينها نداً؟ على أي خيارات إقليمية ودولية يُعول زعيم "التيار الوطني الحر" في ابتزاز "حزب الله" مستقبلاً؟
الواقع أن باسيل يتصرف بعجلة مع تنظيم نجح باستراتيجياته الطويلة الأمد، وبالتالي من الصعب تخيل ديمومة هذا التحالف، إلا في حال فُتحت نافذة إقليمية أخرى، من الولايات المتحدة أو حلفائها. لكن مشكلة زعيم التيار أن انعدام الثقة بات صفة ملازمة له. والنظرة السلبية العابرة للطوائف حيال هذا الرجل، تجعله عبئاً ثقيلاً على من يريد حمله أو تبنيه في السياسة. الحقيقة أن العفوية قادت المتظاهرين إلى الهتاف بشكل موحد ضد جبران باسيل دون غيره، إذ يُمثل بالنسبة لهم كل ما يبغضونه في النظام الحالي، من التوريث القسري للسياسيين، إلى المحاصصة والفشل في إيصال الخدمات للناس. بالنسبة لأغلب اللبنانيين، باسيل هو رجل العتمة. و"حزب الله" يعرف كل ذلك ويتوقع أفول نجم صهر الجنرال بعد سنتين، إذ ليس الوريث الوحيد لا داخل التيار ولا العائلة حتى، وسيُنازعه كثيرون.
هي مسألة وقت إذاً حتى يستحيل باسيل شخصية ثانوية في شبكة حلفاء الحزب. في هذه الحياة السياسية القصيرة التي ستنتهي مع الانتخابات التشريعية المقبلة والرئاسية التالية، قد يتحدث باسيل وفريقه عن الفيديرالية والحقوق ويدعي الندية مع زعماء الطوائف، لكن الواقع بعد سنتين سيكون مختلفاً. مع تنحي ميشال عون عن السياسة، لن يبقى من صهره إلا ادعاءات كبيرة سيتداولها اللبنانيون على سبيل الدعابة لعقود.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها