الجمعة 2020/05/29

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

رئيس أرثوذكسي للبنان؟

الجمعة 2020/05/29
رئيس أرثوذكسي للبنان؟
increase حجم الخط decrease
يعود لبنان اليوم إلى محطة انتظار الأحداث في سوريا، وتحديداً الحل السلمي المرتقب قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أيار (مايو) العام المقبل. تظهر السجالات السياسية والطروحات وكأنها مضبوطة على إيقاع المفاوضات السورية، رغم أنها في مرحلة تأسيسية ولم تتضح الصورة النهائية للحل بعد. لكن من المفيد استطلاع القراءة اللبنانية للحل السوري، والمحاولات المبكرة لإستشرافه، والتبدلات الروسية هناك.

الاستنتاج الأبرز هو الفيديرالية، وتحديداً اعتقاد زعيم "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بأنها عماد الحل في سوريا، وبالتالي بالإمكان طرحها في الداخل اللبناني كمعبر للتغيير المرتقب. والحقيقة أن باسيل يُحاجج في كل جلساته الداخلية عن الفيديرالية، بأنها قادمة من البوابة السورية، ما يجعلها ممكنة لبنانياً. لكن الواقع مغاير لذلك. بيد أن الفيديرالية لا تبدو أمراً واقعاً في سوريا، بل مرفوضة روسياً في سياق الفرز المذهبي والعرقي. لا يُحبذ الروس حلاً على مستوى الاثنيات والمذاهب، بل يميلون إلى لامركزية محدودة برعاية روسية دون الخوض في المسألة الفيديرالية.

روسيا تُفضل اعادة توزيع المواقع داخل مؤسسات النظام، والتخفيف من احتكار طائفة الرئيس للمواقع الرئيسية، من دون الغائها تماماً. وذلك واضح من خلال مشروع تدريب "الفيلق الخامس" وانضواء بعض فصائل المعارضة فيه.

هذا الاتجاه ترسخ أيضاً في التعيينات الروسية الأخيرة، وتحديداً تسمية السفير الروسي في دمشق ألكساندر أفيموف، مبعوثاً رئاسياً خاصاً، ما ذكّر كثيرين بمنصب الحاكم الأميركي للعراق بعد الغزو بول بريمير. والواقع أن التعيين الروسي الأخير يأتي في سياق توزيع للأدوار. المبعوث الخاص للكرملين الى سوريا ألكساند لافرنتيف معنيٌ بالشأن العسكري (اختصاص وزارة الدفاع الروسية)، كما كتب أنطون مارداسوف أخيراً في موقع المونيتور. وفقاً لهذا التقرير، يتولى لافرنتيف التوصل الى تفاهمات ميدانية مع تركيا وإسرائيل، ويعمل على المصالحات الداخلية وفق اطار الأستانة وسوتشي، ويُمارس بعض الضغوط على الرئيس بشار الأسد لتقديم بعض التنازلات للحفاظ على مسار التعديلات الدستورية. ترقية أفيموف لا تُلغي دور لافرنتيف، بل ستُكمله، لجهة أن الأول بات اليوم (بصفته الرئاسية) أقدر على ممارسة الضغوط على الأسد من أجل دفعه للتنازل في العملية السياسية. رغم أن مارسادوف يقرأ هذه الترقية في سياق التوازن بين وزارتي الدفاع والخارجية (التي يقود ملف الشرق الأوسط فيها ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية والمبعوث الرئاسي للشرق الأوسط)، إلا أن هذه نصف الحقيقة، وزاوية روسية (داخلية) ضيقة.

عملياً، تأتي ترقية افيموف بمثابة إعلان رسمي لمشاركة الأسد في السلطة والقرار السياسي، وهذه جزء من التحولات في سياق العملية السياسية. السفارة الروسية باتت مكتباً لبوتين يأتي اليها الأسد للقاء الرئيس الروسي عندما يحلو للأخير الزيارة. أو يتصل ممثل بوتين بقصر المهاجرين لإبلاغه بالقرارات البوتينية. في السفارة الروسية اليوم، تُطبخ العملية السياسية، في حين تُقاد العمليات العسكرية من قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية. لافرنتيف سيجهد لضبط إيقاع الضربات الإسرائيلية بما لا يضر بسياق العملية السياسية وإعادة الاعمار. بدوره، أفيموف بعلاقاته وخبرته في الخليج، سيعمل على تمويل وإدارة مشاريع إعادة الاعمار، على أن يُنسق في ذلك مع بوغدانوف في موسكو، ويُساعد لافرنتيف في الضغط على الأسد، لتسيير العملية السياسية. بكلام آخر، صرنا أمام حكومة روسية مُصغرة في دمشق، مدعومة بجيش وقوة جوية ضاربة وقواعد عسكرية متكاملة وتفويض من الرئيس الروسي.

لذلك، إذا جرت الرياح كما تشتهي روسيا في دمشق، وحصلت على تفويض أميركي بالمضي في العملية السياسية بهذا الاتجاه، لن تستثمر موسكو التي يضيق صدرها بعدم ليونة الأسد، في مركب يغرق اسمه جبران باسيل. بل ووفقاً لمصدرين روسيين مطلعين، ستنظر روسيا في اتجاه آخر. في الاستثمار الداخلي الروسي للتدخل في سوريا، عامل مهم اسمه الكنيسة الأرثوذكسية بقيادة البطريرك كيريل. ترى الإدارة الروسية في إبقاء التركيبة الأقلوية للنظام، مع بعض التعديلات، نوعاً من الحماية لأرثوذكس سوريا. من هذا المنطلق، هناك نقاش في بعض الأوساط الروسية حول احتمال تحقيق انجاز أرثوذكسي ليس في سوريا حيث التحدي تعزيز المشاركة السُنية، ولكن في الجوار اللبناني.

لذلك من الأرجح أن يفتح أي حل سوري الباب أمام ضغوط جديدة باتجاه استكمال ما بدأه الانتداب الفرنسي مع انتخاب الأرثوذكسي شارل دباس رئيساً في الأول من أيلول (سبتمبر) عام 1926. لا يُريد الساسة الموارنة الاعتراف بأن السباق الروسي لايجاد حل في سوريا قبل انتخابات الرئاسة السورية في أيار (مايو) العام المقبل، من المحتمل تُفضي الى تشكيل مجلس شيوخ وإلغاء للمذهبية السياسية، وربما بعدها: انتخاب أول رئيس أرثوذكسي في لبنان بعد الاستقلال. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها