الخميس 2020/05/28

آخر تحديث: 10:19 (بيروت)

دولة الخيانة

الخميس 2020/05/28
دولة الخيانة
increase حجم الخط decrease
لكل طائفة وصمة عار لا تمحى، ولن تسقط بمرور الزمن، ولا بالعفو العام. بعضها يلتصق بتاريخ تشكل الطوائف اللبنانية وتعايشها على الارض الواحدة وإكتسابها الهوية الموحدة، ويختزل جانباً مهماً من عمليات التواطؤ والتكاذب التي قامت عليها الدولة اللبنانية، ولا تزال، من دون أي عصبية وطنية.

 المقارنة بين تلك الوصمات الموزعة اليوم على الطوائف الثلاث الكبرى، صعبة ومعقدة. تفكيكها يحتاج الى معجزة لا الى قانون يصدر في المجلس الملّي، البرلمان. والتخفف من أي منها لا يؤسس لأي شكل من أشكال المصالحة ولا المسامحة، ولا يسهم في اعادة الاندماج في المجتمع والتسليم بمقام الدولة ومؤسساتها. بل قد يؤيد الى العكس.

ما بين العمالة للعدو الاسرائيلي التي تنسب اليوم الى المسيحيين،  وإستخدام السلاح والمخدرات الذي ينسب الى الشيعة، والخروج على الدولة والمجتمع الذي ينسب الى السنة، ثمة مساومة لا أخلاقية ولا وطنية ولا حتى سياسية. والأسوأ من ذلك، أنها تزدري فكرة الدولة وتنتهك دستورها وتحط من شأن مؤسستها الاهم، القضاء، لتزعم أنها بصدد عفو عما مضى، يفترض أن يمهد لعودة الامور الى ما قبل مرحلة غير محددة  بدقة : ما قبل الحرب الاهلية؟ أو ما قبل الغزو الاسرائيلي الاول أو الثاني او الثالث..؟ او ما قبل الاجتياح العسكري السوري الاول أو الثاني..؟

هو ليس عفواً خاصاً، عن أفراد حوكموا وأدينوا. يمكن لعامل الزمن أو حتى السياسة أن ينفع لهم، كما في جميع دول العالم. هو عفو مقترح عن ظواهر تتشكل من مجموعات تعادل بحجمها حزباً أو تياراً أو حركة. وعدا عن كونها صفعة مدوية للقضاء الذي لم تُعهد إليه وحده تلك المهمة، هي أيضاً  إستجابة لضغوط متوهمة سواء من جانب الفارين الى إسرائيل أو تجار السلاح والمخدرات او السجناء الاسلاميين.

ولعل حالة عملاء إسرائيل هي الاكثر فظاظة. فهؤلاء يفاوضون على العودة ولا يتوسلونها. عاد بعضهم بلا مشكلة. أما الباقون فإنهم مستقرون في دولة العدو، يحملون جنسيتها التي تؤهلهم للسفر الى أكثر بلدان الغرب من دون قيود، ويخدمون في جيشها وإستخباراتها وأجهزتها الامنية. هؤلاء لا يريدون العودة، ولا يطلبونها، إلا إذا كانت عبر "جدار طيب" يفتح مجدداً. وهم لم يتظاهروا يوماً على طول الشريط الحدودي الشائك رافعين الاعلام (اللبنانية) والصور العائلية، ولم يعتصموا يوماً أمام سفارة غربية في تل أبيب مناشدين العالم التدخل لحل قضيتهم الانسانية، وإعادتهم الى بيوتهم وأراضيهم.

والحال ان هؤلاء ، مثلهم مثل شيعة السلاح والمخدرات، أو مثل سنة تكفير الدولة والمجتمع، لم يقدموا أي تنازل، أو تعهد، أو حتى أي وعد بطي تلك الصفحة المشينة، مقابل نيل "حقهم" بالعودة، الذي صار موضوعاً للتساوم، فقط لأن الدولة اللبنانية لم تمتلك شجاعة إسقاط الجنسية، عن كل من ثبت إستمراره في العمالة حتى اليوم.. كما لم تتمتع بالجرأة لإسقاطها أيضا عن العميل عامر فاخوري الذي أفرج عنه لكي يتابع عمله المتواصل مع أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية على حد سواء.

قد يكون خروج الشيعة والسنة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها وقوانينها أقل وطأة من العمالة لإسرائيل، لكنه يفتقر الى الاجماع الوطني المزعوم، ولا يمهد لتشكيل ذلك الاجماع، حتى ولو جرى توزيع كل وصمة على الطوائف الثلاث التي لا تخلو صفوف أي منها من العملاء وتجار السلاح والمخدرات والتكفير.. لعل في ذلك ما يبرر ويشجع على محاكمات مشتهاة أيضا يوماً ما لجميع عملاء النظام السوري الحالي الذين شاركوه جرائمه في البلدين.

لكن الوطنية اللبنانية التي بنيت على أكثر من خدعة وأكذوبة، لا يمكن ان تنتج غير عمليات عفو لاأخلاقية متتالية، يزيد عددها عن عدد الاحكام القضائية العادلة.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها