الأربعاء 2020/05/27

آخر تحديث: 09:07 (بيروت)

مناورة الكرملين السورية

الأربعاء 2020/05/27
مناورة الكرملين السورية
increase حجم الخط decrease
موجة المقالات والتعليقات العربية والغربية على انتقادات الإعلام الروسي الأخيرة للنظام السوري والأسد نفسه ، أخذ الكرملين يضيق بها ذرعاً ، وقرر مواجهة "تماديها" في تفسير وتأويل هذه الإنتقادات على غير ما كان يستهدفه من ورائها ، كما يزعم . وفي سياق قرار مواجهة "التمادي" هذا جاء قرار بوتين الإثنين في 25 من الجاري تعيين السفير الروسي في سوريا ألكسندر يفيموف ممثلاً خاصاً له "لتطوير العلاقات" مع سوريا ، علماً أن مثل هذه المهمة تدخل في صلب مهمات أي سفير . ولم يوضح القرار ماذا حل بالممثل الخاص الآخر للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتيف في سوريا ، إلا أن موقع "rambler" الإخباري الروسي ، وفي إطار تعليقه ، الثلاثاء في 26 من الجاري، على كلام المعارض السوري كمال اللبواني حول خطة روسية تنال موافقة أميركية ، تستهدف استبدال الأسد بمجلس قيادة عسكري ، وتأكيد الموقع بأن هذا الكلام يتعارض مع قرار بوتين تعزيز "مؤسسة الممثلين الخاصين للرئيس في سوريا" . 

قرار تحويل التمثيل الخاص للرئيس الروسي في سوريا إلى مؤسسة ، يأتي في سياق التوجه ، الذي اعتمده الكرملين سابقاً بالنأي العلني بالنفس عن إنتقادات إعلام "طباخ" بوتين يفغيني بريغوجين للنظام السوري ، والتأكيد على العلاقات الوثيقة مع هذا النظام . وكانت وكالة نوفوستي قد نقلت ، قبل يوم من قرار بوتين هذا ، عن المنسق بين البرلمانين الروسي والسوري ، النائب في مجلس الدوما ديمتري سابلين ، في تعليق على مقالة نيوزويك الأميركية عن "تعب" روسيا من سوريا ، قوله بأن من المهم بالنسبة للغربيين أن تخرج روسيا من سوريا . وقال بأن سوريا ، وبدعم من حلفائها ، أظهرت أنه يمكن مقاومة مدحلة فرض الديموقراطية بالقوة ، التي وقع تحتها عتاة الإرهابيين أيضاً. وأكد بأن أولئك ، الذين يعتبرون أنفسهم "أسياد العالم" ، لا يستطيعون تقبل رفض ديموقراطيتهم تلك ، وقال بأن الأميركيين يصورون ما يتمنونه واقعاً ، كما في حال الرغبات ، التي عبرت عنها الصحافة الأميركية ، بأن يموت من الروس ، جراء وباء الكورونا ، أكثر مما يموت من الآخرين. 

مناورة الكرملين للإلتفاف على ذيول انتقادات أجهزة إعلام "الطباخ" ، وما تركته من آثار سلبية على علاقته بنظام الأسد ، فشلت ، حتى الآن على الأقل ،  بإقناع أحد أن لا شيئ يشوب هذه العلاقات . فقد سبق لصحيفته "vz" بالذات ، أن كتبت بأن الرسميين الروس ينفون الإشاعات عن وجود خلافات مع الأسد ، ويقولون بأنها ليست سوى دسائس من الغرب ، الذي يسعى لدق إسفين بين الحلفاء ، إلا أن "لا دخان بلا نار"، على قولها. وقالت بان لدى روسيا والأسد نظرات مختلفة لعملية التسوية السياسية في سوريا ، فهو والجنرالات السوريون والإيرانيون الذين يقفون خلفه ، ليسوا بوارد "التصالح" مع الإرهابيين المعتدلين ، ولا تقاسم السلطة معهم . وتقول بأن روسيا تحاول أن تشرح لهم ، بانه يستحيل إنهاء الحرب الأهلية السورية من دون هذا التصالح ، ومن دون تنازلات ، إلا أنها فشلت حتى الآن في إقناعهم ، مما يجعلها مضطرة لمواصلة حملتها السورية. 

وإذا كانت مناورة الكرملين لم"تقنع" صحيفته بعدم وجود تباعد مع الأسد وجنرالاته السوريين والإيرانيين ، فكيف لها أن تقنع الغربيين ، الذين يتربصون بوجودها في سوريا ، ويريدون لها أن "تغرق في المستنقع السوري". فقد نشرت الواشنطن بوست الثلاثاء في 26 من الجاري بعنوان "الأسد يصطدم بأكثر التحديات جدية خلال تسع سنوات" ، نقلته نوفوستي تحت عنوان إضافي"الأسد يفقد دعم موسكو وشعبيته وسط حلفائه". لم تلتفت الصحيفة لمناورة الكرملين تلك ، وانطلقت من تأكيدات الإعلام الروسي السايقة على الخلافات بين النظام السوري والكرملين ، لتؤكد على أن الصعوبات ، التي يواجهها الأسد في مقاربته للعملية السلمية ، تتخطى ما واجهه في "زمن الحرب" . وفي محاولتها لتفسير فشل الكرملين في مواجهة عواقب انتقاداته للأسد ، تستشهد الصحيفة  برأي الخبير الروسي فيودور لوكيانوف ، رئيس "مجلس السياسة الخارجية والدفاع" غير الرسمي ، وعضو قيادة المجلس الروسي للعلاقات الخارجية . يقول لوكيانوف أن روسيا ، التي تدخلت في الصراع السوري منذ العام 2015 ، حققت أهم أهدافها الخارجية ، وليست عازمة على التخلي عن ما تحقق . ويؤكد أن الأسد يعتمد ، بالطبع ، على الدعم الروسي له ، لكن ، على الصعيد السياسي ، روسيا أيضاً تعتمد على الأسد ، وليس من المسموح ، بالنسبة لها ، تركه لمصيره ، لأن ذلك سيلحق بها ضرراً سياسياً فادحاً . 

 استنجد الكرملين في مناورته المكشوفة تلك ، بكبير أكاديميي معهد الإستشراق الروسي فيتالي نعومكين ، وبالسفير الروسي السابق في سوريا ونائب مدير المجلس الروسي للعلاقات الخارجية ألكسندر أكسينيونك . كتب الأول مقالة بالعربية في صحيفة خليجية ، قال فيها بأنه تظهر في وسائل الإعلام العالمية ، وخاصة في الشبكات الإجتماعية ، في الآونة الأخيرة ، الكثير من المواد حول تفاقم "التناقضات المزعومة" بين موسكو ودمشق أو حتى عن عزم روسيا على إعادة النظر في سياستها في ما يتعلق بالأزمة السورية . وأكد نعومكين على شعارات الكرملين المعهودة في مساعدة دمشق في الحرب على الإرهاب ، ودعم إستقلالها و.. والإلتزام بقرار مجلس الأمن 2254 ، والعمل على اسئناف عمل اللجنة الدستورية ، الذي يواجه الآن صعوبات "ناجمة عن وباء الكورونا" ! ومن دون أن ينسى ذكر استمرار التنسيق بين روسيا وتركيا وإيران في سوريا ، يعبر عن عتبه على المبعوث الأميركي إلى سوريا لقوله "وظيفتي هي خلق مستنقع للروس هنا" ، ويتساءل ما إن كان الرجل مبعوثاً إلى سوريا ومحاربة الإرهاب ، أم أنه مبعوث "للحرب ضد روسيا؟" .

بدوره ، السفير السابق ونائب مدير المجلس الروسي للعلاقات الخارجية ألكسندر أكسينيونك ، الذي استشهدت معظم الصحف العالمية بانتقاداته الرصينة للنظام السوري ، تحدث مجدداً عن سوريا في سياق مقالة مطولة على موقع المجلس المذكور بعنوان "وباء الكورونا والصراعات في الشرق الأوسط"، انتقد فيها تصوير الإنتقادات الروسية للأسد ونظامه ، بأنها فراق بين موسكو ودمشق . ويقول الرجل ، بأن موجة اجتاحت الإعلام العربي والغربي خلال شهري نيسان وأيار/أبريل ومايو من مختلف المتاجرات بالعلاقات الروسية السورية ، حيث زعمت بأن  المقالات في المطبوعات وشبكات التواصل الروسية ، التي تضمنت نقداً إيجابياً لسياسة دمشق المتصلبة حيال مسائل التسوية السياسية والفساد واسع الإنتشار (يقصد مقالته الشهيرة ، كما يبدو) ، الذي لا يعرقل إعادة الإعمار فحسب ، بل ويعرقل معالجة القضايا الإجتماعية الإقتصادية الملحة ، وزعمت بأن هذه الإنتقادات تعكس استياء الدوائر الروسية العليا من الرئيس بشار الأسد شخصيا . 

ويأسف الرجل لردة الفعل "المغالية في عاطفيتها" لبعض "ممثلي المجتمع" في دمشق ووسائل الإعلام الموالية لها ، على الإنتقادات الروسية ، ويقول بأنها اتسمت بخطابية أيديولوجية من الأزمنة الغابرة ، وبتصورات ساذجة عن السياسة الخارجية . ويقول بأن أصحاب ردة الفعل تلك يقسمون الخبراء الروس إلى "مع"  و"ضد" ، إلى "موالين للغرب" و"وطنيين" ، يسعى الأولون منهم إلى بيع "العلاقات التحالفية" بين روسيا وسوريا . 

لم ينضو كل الإعلام الروسي تحت مناورة الكرملين هذه ، بل فضل معظمه الإحتفاظ بصمت مطبق حيالها . إلا أن صحيفة القوميين الروس "sp" خرقت هذا الصمت وكتبت مقالة بعنوان "مؤامرة الكرملين : بوتين لن يقيل الأسد ، إذا ما تمكن من تبرير نفسه" ، أي أنها وصفت المناورة بالمؤامرة ، وقالت بأن سوريا تنتظر تبدلاً في السلطة وتدرس مزاج موسكو. وقالت بأن الأحاديث تدور منذ زمن بعيد عن أن موسكو مستاءة من أفضل أصدقائها في الشرق الأوسط (بعد نتنياهو بالطبع ، حسب الصحيفة) ، أن لا أحد يستطيع ذكر الأسباب الملموسة لذلك ،غير الحديث عن فساد ما . إلا أنه من المستبعد ،حسب الصحيفة،  أن "تخيف سلطتنا أو تهينها بالفساد" ، طالما أن الأسد يسرق في سوريا ، ولا ينتزع من فم أحد في روسيا لقمته السائغة. 

وتنتهي الصحيفة إلى القول ، بأنه لو لم يطح الأسد بنسيبه رامي مخلوف ، لكان عمد بوتين وروحاني إلى إقالته ،  أو لم يكونا ليسمحا بانتخابه مرة جديدة في العام القادم . أما الآن فمن المؤكد أن الأسد سوف يترشح للإنتخابات الرئاسية مع إحتمال مرتفع بأنه سيواصل رئاسته لسوريا. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها