الأحد 2020/05/17

آخر تحديث: 11:41 (بيروت)

لبنان يدخل الغابة السورية

الأحد 2020/05/17
لبنان يدخل الغابة السورية
increase حجم الخط decrease
الدعوة الاخيرة التي وجهها الامين العام لحزب الله حسن نصر الله للتطبيع مع نظام الرئيس بشار الاسد بهدف حل مشكلة التهريب على الحدود بين البلدين، ومعالجة الازمة الاقتصادية الضاغطة على لبنان، وفتح المعابر البرية أمام الصادرات الزراعية والصناعية، تثبت مرة أخرى أن الحوار الداخلي اللبناني لا يمكن ان يستقيم على سوية واحدة، إذا ظلت وجهات النظر متناقضة الى هذا الحد، ومتعارضة مع أبسط قواعد التحاور المبنية على بيانات ومعلومات ووقائع ثابتة، لا تسمح بالنظر إليها من زاويتين مختلفتين.

الدعوة جاءت في سياق خطاب موجّه، حسب تعبير نصر الله نفسه، الى جمهور المقاومة لتطمينه الى أن الامور تسير على ما يرام في سوريا، سواء بالنسبة الى مستقبل النظام، أو الدور الايراني، وتنافسه المفترض مع النفوذ الروسي، وسكونه الغريب أمام الضربات الجوية الاسرائيلية المتلاحقة المستندة الى قرار إسرائيلي علني بإخراج إيران من سوريا كلياً، على الرغم من "الأذى" الذي تلحقه تلك الغارات، على ما قال الامين العام أيضا، وجزم بأن في سوريا خبراء إيرانيين وليس جنود ووحدات عسكرية يمكن سحبها من الاراضي السورية!

قراءة نصر الله وتحليله للوضع في سوريا هي شأن يخصه طبعا، على الرغم من أن معطياته ومعلوماته السورية لم تكن يوما "على ما يرام"، منذ اليوم الاول للثورة في ربيع العام 2011 وحتى الآن، بل كانت عبارة عن سلسلة الاخطاء الفادحة التي تلاحقت طوال السنوات التسع الماضية، ما إضطر الامين العام الى القيام بسلسلة من عمليات التغطية والتمويه، وليس فقط التعبئة، والتي كانت تنتهي في بعض الأحيان بطلب صريح ومباشر بإقفال الموضوع وحظر النقاش الداخلي حول سوريا وذهاب الحزب اليها أو عودته منها.. بحجة أن المناقشين مغرضون او مشبوهون أو متهمون، أو ببساطة غير معنيين بالأمر!

الآن، ليس تدخل الحزب في سوريا هو العنوان. فقد أصبح ذلك التدخل وراء الجميع في لبنان، ومن مسلمات السياسة وبديهياتها. السيد نصر الله يطالب، أو يوجّه، الدولة اللبنانية كلها بأن تذهب الى سوريا، وبأن "تكتشف" مجددا المصالح المشتركة التي أضاعتها أو أغفلتها عندما قاطعت أو تباعدت عن النظام في دمشق..على الرغم من أن قرار المقاطعة والتباعد لم يتخذه الجانب اللبناني، بل كانت الحرب السورية نفسها هي التي أقفلت الحدود والمعابر على التجارة الشرعية بين البلدين. الحرب إنتهت، من وجهة نظر السيد، ولم يبق منها سوى بعض الجبهات والجيوب في الشمال والشرق السوريين، ربما. لكن النظام السوري الذي يدعو السيد الى التطبيع معه الآن، لم يعد يستطيع أن يقنع أي تاجر او مستثمر بأنه ما زال قائماً. الشهادات الروسية، بل وحتى الايرانية في ذلك النظام، تشكك الآن في وجوده نفسه، وليس فقط في مستقبله. والاشارات المتكررة الى ضعف الرئيس وفساد محيطه، والى تفكك الجيش وتناحر فرقه الرابعة والخامسة والثالثة، والى عجز مؤسسات الدولة السورية وشللها، ليست سوى أدلة ثابتة على أن النظام الذي يكافح السيد من أجله لم يعد يملك فرصة طويلة للبقاء، حتى ولو قدم إبن خاله وخازن أمواله وإستثماراته وودائعه، قرباناً.

من حق نصر الله ألا يرى تلك الوقائع وينكر تلك المعلومات المثبتة، لكي يطمئن جمهور المقاومة. أما دعوة الدولة اللبنانية للذهاب الى سوريا الآن فهي مسألة أخرى، هي أشبه بالذهاب الى غابة لا الى دولة، بدءا من حدودها المستباحة الى قوانينها المنتهكة الى مؤسساتها المتهالكة، الى شعبها المعذب والمضطهد والخائف أكثر من أي وقت مضى منذ العام 2011 وما قبله..والذي لا بديل للبنان أبداً من التضامن والتعايش والتفاعل والتعاون معه دون سواه، بغض النظر عن حكامه وثواره ومحتليه الاجانب.  

ما يثير الريبة في خطاب التطمين، أنه أُلقي بطريقة ملتبسة. كان يمكن لنصر الله ان يوجّه الدولة اللبنانية بما يلي:"النظام السوري في مأزق شديد، وقد حان الوقت للبنان أن يقف معه"، ويزيد من حجم مساهمته في ميزانية ذلك النظام والمقدرة بنحو أربعة مليارات دولار سنويا. وكان يمكن لنصر الله الاشارة أيضاً الى التضحيات التي قدمها ذلك النظام لحماية "وحدة لبنان وعروبته وتطوره الديموقراطي"، على مدى خمسين عاماً، هي عمر الإنحطاط اللبناني والسوري!                

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها