الجمعة 2020/05/01

آخر تحديث: 14:32 (بيروت)

جميعهم متورطون

الجمعة 2020/05/01
جميعهم متورطون
increase حجم الخط decrease
في سياق الحرب السياسية الدائرة حالياً، بين أركان السلطة ومعهم صحافيون من أتباعهم، علينا تدوين الاتهامات ضد الطرفين، وجمعها في سلة واحدة لنقف أمام الحقائق. ذاك أن هذه الطبقة السياسية لا تنطق بالحقائق سوى في مثل هذا التبادل الناري بين مكوناتها. ومثل هذه الصراحة تناهت الى مسامعنا ابان التراشق بشأن جرائم الحرب الأهلية اللبنانية في أعقاب الانسحاب السوري عام 2005. نحن أمام طبقة مجرمة وناهبة للمال العام وانقسامها، حتى لو كان مرحلياً وتكتيكياً، يفتح ملفات من الضروري تسجيلها.

على سبيل المثال، لوح رئيس الوزراء السابق سعد الحريري لوزير الخارجية السابق جبران باسيل، بملف الطاقة، وقال إن هناك42  مليار دولار من العجز في ملف الكهرباء خلال فترة توليه ومستشاريه هذه الحقيبة السيادية. صحيح أن باسيل كان ممسكاً بملف الطاقة، وهو مسؤول عن الفشل الذريع فيه، لكن هناك مسؤولية جماعية ضمن التركيبة، على طريقة "لكل حصته" و"مرّر لي، أمرّر لك". لهذا علينا أن ننتظر رداً لباسيل يكشف فيه بعضاً من سبل التوزيع، إما من خلال صفقات البواخر أو ربما عبر "أوجيرو" وفي قطاع الاتصالات عموماً. هناك تحقيقات في عمليات التوظيف في "أوجيرو"، على أمل أن تطال أدوار الشركات الوسيطة التي سمعنا عنها في عهد وزير الاتصالات السابق.

من الضروري تدوين أي معلومة تخرج من أفواه المتورطين في ممارسات المرحلة الماضية، سيما أننا أمام سلطة لا تتمتع بالشفافية بين أركانها، ناهيك عن الناس. هذه الضرورة مردها أن الاتهام بشكله الحالي يُلامس الحقيقة ولا يكشفها كاملة، لأن المسؤولية مشتركة بين أقطاب السياسة، ولا مصلحة في متابعة أي ملف للنهاية، بل يُكشف طرف منه لغاية سياسية فحسب. على سبيل المثال، قرر "التيار الوطني الحر" ملاحقة المتلاعبين بملف استيراد النفط. لكن الكشف عن بعض ثنايا الملف، ليس كاملاً الى الآن. هذه العملية قديمة وكانت تحصل تحت أعين وزراء التيار ومن سبقهم، والمستفيدون منها هم الطبقة بأسرها. كان وزير الطاقة السابق محمد فنيش وراء قرار استيراد النفط من الشركة الجزائرية (سوناتراك)، ولطالما تغنى "حزب الله" بالقرار بوصفه انجازاً أخرج الملف ولو جزئياً من ممارسة الاحتكار (تستورد دولة من دولة، وإخراج الشركات كوسيط). لكننا اليوم اكتشفنا بأن هناك شركتين تستفيدان من هذا القرار، وتُحققان أرباحاً من عمولاتهما طوال السنوات الماضية. الفضيحة اليوم أن العمولة لم تكن وحدها مصدر الأرباح، بل كانت نوعية النفط غير مطابقة للمواصفات، وهو ما انعكس سلباً على البيئة وأيضاً على المعامل نفسها، ما رتب كلفة إضافية على الدولة. لم ترتفع فقط الكلفة من خلال عمولة الشركتين الوسيطتين، بل أيضاً تبرز شُبهة تحقيق أرباح من خلال نفط بنوعية أرخص، وتوزيع الفارق في السعر بين المشاركين في الصفقة. 

بحسب معرفتنا بالطبقة السياسية، فإن العمولات تُوزع ومن لا يحصل على حُصة في هذا الملف، يُعوضها في ملف آخر. لذا ومن أجل الصورة كاملة، علينا أن نربط بين خيوط الفضائح لتكتمل خريطة العمولات والنهب المُنظم. لا يُستبعد أن الشركتين حرمتا أصحاب القرار من أرباحهما في توفير نفط مغشوش، وبالتالي اقتضى التصويب عبر اقحام القضاء ريثما تحصل تسوية مالية بين الأحباب ويُسحب الملف. نادراً ما يُكمل أي ملف فساد كبير طريقه في القضاء.

بكل الأحوال، السؤال البيئي هنا أيضاً صحي. مثلاً، هل هناك رابط بين الأثر البيئي للنفط المغشوش وبين التقارير الإعلامية عن ارتفاع نسب الوفيات بالسرطان في محيط معامل الكهرباء؟ لا بد أن نطرح مثل هذه الأسئلة لنحدد دائرة المتضررين من فساد هذه الطبقة الحاكمة، وهو ينهش من صحة الناس، ومن مستقبلهم وموارد الدولة، دون تمييز.

واليوم، بعدما أقرت الحكومة خطة اقتصادية عمادها الخصخصة، أي بيع موارد الدولة وفقاً للنهج السابق عينه، علينا أن نعرف أكثر عن الأموال المنهوبة وأساليب السلطة وأركانها في جنيها، لنرسم صورة واضحة لماضٍ لم ينته ولن ينتهي، بما أن أبطاله وأتباعهم في السياسة والاعلام مستمرون في مواقعهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها