الثلاثاء 2020/04/07

آخر تحديث: 12:25 (بيروت)

مصر: طريق للنجاة

الثلاثاء 2020/04/07
مصر: طريق للنجاة
متطوع يقوم بتعقيم باص في منطقة شبرا (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في الصباح، أقرأ في صفحة صديق في "فايسبوك"، منشوراً يكشف فيه إصابته بالكورونا، وإنه في طريقة إلى أحد المشافي الحكومية للخضوع لإجراءات العزل، لا زيارات ولا خروج من الحجرة. الصديق طبيب، ويرجح إنه التقط العدوى أثناء زيارة منزلية للكشف على أحد المرضى. التفاصيل التي يتضمنها المنشور، تظهر كفاءة وجهداً استثنائياً من فريق الطب الوقائي في وزارة الصحة المصرية. فبعد اكتشاف حالة المريضة، تتبعوا كافة مخالطيها ومن احتكوا بها مؤخراً، وكان منهم صديقنا. وبعد ثبوت إصابته، بدأ البحث عمن اختلط هو بهم: أسرته وزملاؤه والمرضى في المستشفى الحكومي حيث يعمل، وأخرى خاصة يتردد عليها بشكل أقل انتظاماً. الشبكة تتسع وتتفرع مع كل حالة جديدة يتم اكتشافها، مثل قصة جريمة بوليسية تطارد قاتل تسلسلي غير مرئي، وكل دقيقة تمر تعني المزيد من الضحايا. الواضح أن الأمر يتطلب الكثير من الدقة والجهد، وأن المؤسسات الصحية تبذل جهداً كبيراً، أو على الأقل أقصى ما في وسعها.

ينشر موقع "مدى مصر"، في الصباح نفسه، تقريراً بعنوان "خط سير كورونا داخل معهد الأورام: شهادات 4 ممرضين مصابين"، القضية التي استدعت استماعاً في البرلمان، هددت سلامة الآلاف من مرتادي المعهد أسبوعياً، وهو المؤسسة الأكبر لعلاج مرضى الأورام في القاهرة. تصريحات مدير المعهد، تلقي باللوم على ممرض التقط العدوى في مستشفى خاص حيث يعمل، ونقلها إلى 17 زميلاً من طاقم التمريض والأطباء. المرضى ومرتادو المعهد من أكثر الفئات تعرضاً للخطر، ولا يُعرف حتى الآن عدد المصابين بينهم. لكن التفشي المصري الذي قارنته "دويتشه فيله" في عنوان تقرير لها، بظهور المرض في "ووهان"، يقف وراءه أكثر من مجرد عدوى فردية، أو سوء حظ، بل الكثير من الفشل المؤسسي والإخفاء المتعمد. فالشكوك حول إصابة عدد من العاملين، كانت قد ترددت لوقت طويل، تعدى الأسبوعين، وتكتّمت الإدارة على الأمر، واكتفت بصرف العاملين المشكوك في إصابتهم، إلى العزل المنزلي، وقوبلت مطالبات العاملين بالكشف عليهم بالرفض مرة بعد أخرى، نظراً لارتفاع تكلفة الفحص، ولم تنل المطالبة بتوفير معدات الوقاية الكافية، حظاً أوفر. وكان أحد العوامل الحاسمة في تلك القضية، هو لجوء العاملين في المعهد للكتابة في شبكات التواصل الاجتماعي، رغم تعرضهم للتهديد من الإدارة لمنعهم من الحديث عن تفشي العدوى. ومع تفاقم الوضع، اهتمت وسائل الإعلام بالقضية، وفتحت الجهات المعنية أكثر من تحقيق، ووصل الأمر إلى إصدار الرئاسة المصرية بياناً خاصاً، والتدخل بشكل مباشر لتوفير الفحوص لجميع العاملين، ولاحقاً إغلاق المعهد.

القليل الذي يصلنا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام المستقلة، لا يمدنا بما يكفي لتقييم الوضع، لكنه على الأقل يؤكد لنا ما نعرفه بالفعل. في مصر مؤسسات بيروقراطية قديمة وراسخة، وقادرة على العمل بكفاءة لا بأس بها، أو على الأقل الحد الأدنى منها. الإمكانات قليلة في معظم الأحيان، وسياسة التكتم والترهيب سائدة، لكن هناك أموراً لا يمكن إخفاؤها، أو لا يصلح إخفاؤها لوقت طويل. الشجاعة التي يتحلى بها العاملون في القطاع الصحي، أولاً بعملهم في ظل ظروف في غاية الخطورة، وثانياً بإصرار الكثير منهم على الحديث علانية لفضح أوجه القصور، كل هذا يستدعي الكثير من التقدير.

أوجه النقص وعدم الجهوزية، في مواجهة الوباء، والتكتم عليه، تتوالى أخبارها يومياً من دول العالم الأول، ولا تبدو مصر استثناء في أي من هذا بالطبع، وإن كان الوضع أكثر هشاشة بالتأكيد. المفاضلة بين الإغلاق الكامل وتبعاته الاقتصادية القاسية على الفئات الأفقر، وبين انتشار وبائي فادح، خيار صعب أمام الدولة، ولم يحسم بعد، طالما أن أعداد الإصابات مازالت في حدود يمكن السيطرة عليها. خليط من الإجراءات، بين تخفيف نسب المخاطرة بحظر التجوال المسائي، والعزل الجزئي والمحلى للمناطق الموبوءة، وتتبع الحالات الفردية وعزلها حالة بحالة، يبدو إنها السياسة المتبعة حتى الآن، وبنتائج متفاوتة في النجاح. وتظل نتائج كل هذا معلقة بوتيرة الإصابات في الأسابيع القليلة المقبلة. فربما تضطر الدولة إلى تغيير إجراءاتها. لكن الأكيد والواضح منذ البداية، وفي ظل ضعف الإمكانات، أن شفافية من جهة المؤسسات، وإعلاماً مستقلاً قادراً على العمل بحرية، وعاملين يتمتعون بحس المسؤولية والشجاعة، هو الطريق الوحيد للنجاة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها