الإثنين 2020/04/06

آخر تحديث: 11:38 (بيروت)

الفيروس جزءاً من الحكومة

الإثنين 2020/04/06
الفيروس جزءاً من الحكومة
increase حجم الخط decrease
خلال أسابيع قليلة من الحجر الصحي ومنع التجول وغيرها من الإجراءات، دخلت السلطة في "شهر عسل" تتعاطى فيه مع المحكومين في سياق علاقة من طرف واحد لا أخذ ولا رد فيها. حلّقت الحكومة من ساحة الاحتجاج والتظاهرات وأعمال الشغب والشتائم، إلى عالم لا يُزعجها فيه أحد، وتُلقي من عليائه علينا ما تشاء وتريد. تُصدر التعاميم الواحد تلو الآخر، دون اعتراض، كأنها جيش سيطر على مبنى الإذاعة والتلفزيون وحاصر الرئيس والبرلمان، وبات حاكماً بأمره. حددت من هم صغار المودعين، بمعيار الكلفة الأقل على المصارف، والأعلى على الناس. ثم عرضت سلة مساعدات للفقراء لا تكفيهم أسبوعاً، دون جلبة أو احتجاج علني أو معركة بين المتظاهرين والأمن وبلطجية الأحزاب على "الرينغ". 

الحكومة باتت اليوم أشبه بمروحية تُلقي علينا أكياس المساعدة، لا يهم قبطانها إن وصلنا الطرد أو تكسرت محتوياته. كلاهما سيان، ذاك أن الدعاية المرافقة للعمل الحكومي تواصل زحفها على شاشات التلفاز دون انقطاع.

فرق البروتوكول باتت منهكة بالعمل هذه الأيام. إعلانات الحكومة تحصل على الرعاية الكاملة، إعلامياً ودعائياً، من التصريحات المتناسقة، إلى ظهور الوزير المعني ورئيس الحكومة. الأخير لا يُفوّت مناسبة لإعلان الانجازات، وبات واثق الخطى. ظهر بالأمس في المطار كأنه زعيم كوريا الشمالية أو قائد ميداني يزور موقع المعركة بعد تحقيق الانتصار الساحق (ومعيار الانتصار هنا يهبط علينا من فوق أيضاً، دون اعتراض أو تفكير). لم يكن ينقص رئيس الحكومة سوى حصان أبيض يدخل فيه الى قاعات المطار ومدرجاته للاطمئنان إلى حسن سير الأمور. شكر الجميع على هذا "الإنجاز"، رغم أن المغترب اللبناني عاد بسعر تذكرة مُضاعف كفيل بأن ينقل الواحد منا الى جزر المالديف. لكن هذا تفصيل غير مهم، إذ لا اعتراض ولا جدال في ظل الكورونا.

حتى وزير الخارجية السابق زعيم "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بات في موقف مختلف تماماً. بعدما أبعدته انتفاضة 17  تشرين الأول الماضي عن الأضواء، عاد ليملأ الفضاء بخطاباته. لا يمر أسبوع دون كلمة أو مؤتمر صحافي كامل أو اثنين حتى. هذا الفراغ فتح مجالات لباسيل كي يرسم نفسه في صورة جديدة من خياله الخصب، كما فعل قبل سنوات في الكتاب المصور لوزارة الطاقة، عندما ظهر كواعظ يُحدّث ابنه عن الإنجازات اللامتناهية من القطارات السريعة والحديثة الى الجسور والحدائق العامة.

اليوم اختلفت الصورة بعض الشيء. منحى الخطابات والكلمات كان تصاعدياً. يوم السبت الماضي، وصل باسيل الى ذروته، إذ بدأ خطابه باستنتاجات كبرى على مستوى العالم "الذي سيتغير بعد الكورونا"، على رأسها تبدل في موازين القوى، وانهيارات اقتصادية. وخطاب السبت كان "معجزة" حول فيها الفيروس شخصية سياسية تبتعد عن الأضواء كي لا تُثير غضب الشارع، إلى قائد يتمتع بالكاريزما ويُخاطب العالم كأنه جون ف. كينيدي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض أو جمال عبد الناصر في ميدان المنشية.

لهذه الحكومة، فيروس الكورونا هو عجيبة سماوية قلبت موازين القوى، أسكتت الشارع، وحولت الاعلام وشاغليه الى طبول تُقرع احتفالاً بانجازات غير مرئية. هو حليف السلطة، يُحقق أحلامها، ويكاد الواحد منا يخاله عضواً في تشكيلتها الوزارية أو أحد أركان السلطة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها