الأحد 2020/04/05

آخر تحديث: 08:51 (بيروت)

العراق بين المواجهة والتسوية

الأحد 2020/04/05
increase حجم الخط decrease

على الرغم من شبه الاجواء الايجابية التي يحاول المسؤولون الايرانيون ومعهم العديد من قيادات فصائل الحشد الشعبي العراقي في ما يتعلق بالاجراءات التي تتخذها القوات الامريكية في العراق والتي تتضمن إخلاء بعض القواعد العسكرية التي كانت تعتبر اساسية على خريطة توزيع الوجود الامريكي في العراق ودورها في تطبيق العمليات الاستراتيجية لواشنطن والهادفة الى محاصرة المعابر التي يمكن أن تستخدمها قوات حرس الثورة وفصائل الحشد في عملية الربط البري بين طهران وصولا الى دمشق ولبنان، إلا أن هذه الاجواء تترافق مع تحذيرات مباشرة وواضحة تصدر عن هذه القيادات ان كان في العراق او ايران تعبر عن ارتفاع مستوى القلق من أي عملية عسكرية قد تقوم بها واشنطن في إطار يخدم مسار استعادة المبادرة ومنح القرار العراقي هامشا يسمح بالحد من الهيمنة الايرانية نسبيا. 

اللافت ان الاجراءات العسكرية التي اتخذتها القوات الأمريكية بإخلاء عدد من القواعد، قد يكون الهدف منه إبعاد الجنود الامريكيين عن مرمى الصواريخ قصيرة المدى أو تلك التي توصف عسكريا بانها "صواريخ عمياء" مثل الكاتيوشا والغراد، الامر الذي قد يصدق عن قاعدة التاجي بالقرب من بغداد وk-1 في كركوك، والى حد ما قاعدة القائم في الانبار بالقرب من الحدود السورية، الا ان اللافت في هذا السياق هو إخلاء قواعد على درجة من الاهمية بالنسبة لهذه القوات كالقيارة بالقرب من الموصل التي اعادت واشنطن تأهيلها لتصبح قادرة على استقبال طائرات من نوع B 52 الاستراتيجية، اضافة الى دورها في تشكيل خط دفاع اساس عن قاعدة الحرير في اربيل داخل اقليم كردستان التي تحولت الى مركز تجميع للقوات المنسحبة. في حين تشكل قاعدة الحبانية التي تقوم وسط محيط غير معاد للوجود  الامريكي، قاعدة اسناد اساسية لقاعدة عين الاسد بالاضافة الى اسناد عمليات مراقبة الحدود العراقية السورية ورصد تحركات فصائل الحشد في هذه المناطق اضافة الى معسكرات هذه الفصائل في محافظات الفرات الاوسط على الحدود مع المحافظات الغربية خصوصا في جرف الصخر والكربلاء والنجف.

وعلى الرغم من هذه الاجراءات الامريكية وامكانية ان تشكل تمهيدا لعملية عسكرية قد تقوم بها واشنطن ضد بعض الفصائل العراقية، وقد سبق ان اعلنت ادارة الرئيس دونالد ترمب بشكل واضح عن نيتها استهدف حركة النجباء وكتائب حزب الله واتهمتهما بالوقوف وراء الاعتداءات التي تعرضت لها القواعد الامريكية في كركوك وبغداد، فضلا عن انها تشكل رأس الحربة الامنية والعسكرية للنفوذ الايراني في العراق، على الرغم من كل ذلك، فان القيادات العسكرية الايرانية، خصوصا تلك المعنية بالساحة العراقية او تلك التي تشارك في رسم الاستراتيجيات الايرانية في الاقليم، ترى في الاجراءات الامريكية واعادة الانتشار الذي يتم تنفيذه في العراق ورفع حدة الخطاب ضد الدور الايراني وحلفائه العراقيين لا يخرج عن كونه "حربا نفسية" تمارسها واشنطن من اجل اخافة طهران واجبارها على القبول بالمرشح الذي كلفه الرئيس العراقي برهم صالح لتشكيل الحكومة الجديدة رئيس كتلة النصر عدنان الزرفي من خارج توافق الفصائل والاحزاب الشيعية، وما يعنيه ذلك من تولي السلطة التنفيذية شخصية مقربة منها وغير مقربة من طهران ومن خارج الاحزاب الموالية او التي تدور في فلكها او التي تحاول عدم استثارتها. وقد بلغت الثقة لدى دوائر التوجيه السياسي في حرس الثورة الايرانية الى اعتبار ان المعادلة في العراق ليست لصالح الطرف الامريكي وحلفائه، وان هذه التهديدات تعبير عن عجزه وضعفه في مواجهة الموقف الايراني وحلفائه على الساحة العراقية، وبالتالي وحسب اعتقادهم فان لعبة واشنطن في العراق لا تحمل سوى الخسارة لها كيفما سارت الامور. 

وتحاول هذه الاوساط عدم الربط بين الزيارة التي قام بها خليفة الجنرال سليماني في قيادة فيلق القدس الجنرال اسماعيل قاآني الى العراق في الايام الماضية والتهديدات والتحركات العسكرية الامريكية، واصرت على وضع هذه الزيارة في اطار مساعي قاآني والجهود التي تبذلها طهران بالتنسيق مع حلفائها لقطع الطريق على وصول "المرشح الامريكي" عدنان الزرفي الى رئاسة الوزراء من دون العبور من قناة "البيت الشيعي" او القوى والاحزاب التي ترى في التسمية حقا دستوريا ضمنته لها نتائج الانتخابات وحق الكتلة الاكثر عددا في التسمية. 

وفي موازاة هذه القراءة، لا تخفي بعض القيادات الايرانية العسكرية مخاوفها من الذهاب الى خيار الحرب من الجانب الامريكي، خصوصا وان المرحلة المقبلة سترفع من حدة التحدي امام الرئيس ترامب مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، بالاضافة الى حاجته لقضية يبعد فيها الاهتمامات الداخلية عن ازمة كورونا والاثار السلبية التي قد تلحق بادارته ونتائجه الانتخابية، لذلك لجأت الى استخدام لهجة عالية في التهديد، ولعل ما صدر عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف عبر بشكل واضح عن هذه المخاوف وتداعياتها.

ومن غير المستبعد ان يكون الطرفان – الايراني والامريكي- قد ذهبا الى خيار التصعيد في التحركات والتهديدات ليس من اجل الوصول الى المواجهة المباشرة او غير المباشرة عبر الحلفاء على الساحة العراقية، بل من اجل الحفاظ على قواعد الاشتباك بينهما وابقائها على المستوى الذي عليه حاليا، وان يسعى كل من الطرفين الى ترتيب أوراقه على الساحة السياسية العراقية بما يخدم الاستراتيجية التي يعمل عليها تمهيدا للتوصل الى نقطة تفاهم تضمن لكل منهما الأهداف التي يريدها. 

وقد يكون هذا الخيار أقرب الى التوجه الذي بدأ يتبلور لدى أطراف داخل الادارة الامريكية .

واذا ما كان خيار التعايش الايراني الامريكي في العراق، يعتبر متعارضا مع توجه داخل الادارة الامريكية بدأ بالتبلور مؤخرا ويقوم على منع سقوط ليس العراق فقط بل لبنان معه في القبضة الايرانية باي شكل من الاشكال، وان اصرار ايران وحلفائها في فرض هيمنتها وترجمتها إنتصاراً، سيعني ان واشنطن سيكون عليها الذهاب الى خيارات تأتي مسألة العقوبات الاقتصادية على اشخاص وكيانات واحزاب جانبا مباشرا منها على طريق خطوات اكثر تشددا. 

فهل يكون التصعيد الامريكي واعادة الانتشار بطبيعته الهجومية بعد تعزيز القواعد المستضيفة بمنظومات دفاع جوي متقدمة "باتريوت"، والتهديد ايران وحلفائها العراقيين بردٍ مدمرٍ في حال قامت بالاعتداء على معسكراتها او اغتيال قياداتها او خطفهم، ثم زيارة قاآني بهدف تنسيق المواقف من ترشيح الزرفي لرئاسة الوزراء، مقدمة لامكانية عقد صفقة بين طهران وواشنطن تقوم على السماح لواشنطن بتمرير الزرفي بعد توفير الغطاء االشيعي له والحصول منه على الحصة السياسية الأوزن في التشكيلة الوزارية، مقابل ان تفعّل واشنطن آلية الانسحاب من العراق تحت غطاء القانون الذي اقره البرلمان العراقي في الشهر الاول من هذه السنة كانون الثاني يناير 2020؟.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها