الخميس 2020/04/30

آخر تحديث: 11:02 (بيروت)

الحاكم الذي خسر الرئاسة

الخميس 2020/04/30
الحاكم الذي خسر الرئاسة
increase حجم الخط decrease
لم يكشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سراً، ولم يقدم معلومة مالية أو إقتصادية إضافية عن تلك التي يتداولها الجمهور اللبناني ويحفظها عن غيب، ويسرد أرقامها المليارية او المليونية بدقة الخبراء وثقة العارفين. توجيه السهام الى "الدولة"، حسب تعبيره الغريب، بأنها هي التي أنفقت وأهدرت وأفسدت وهي التي أحجمت عن الاصلاح والتغيير، لم يكن بحاجة الى مثل هذه المطالعة التلفزيونية المطولة من المرشح "السابق" لرئاسة الجمهورية.

الانطباع الاول التي تثيره "الإطلالة" التلفزيونية الاولى من نوعها للحاكم رياض سلامة، هو أنها كانت تشبه الاعلان عن سحب ترشيحه الضمني القديم للرئاسة التي إنتزعها منه الرئيس ميشال عون قبل ثلاث سنوات في غفلة من الزمن، والخروج من الحياة السياسية التي لطالما موّل جانباً مهماً من تفاصيلها، على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بنجاح منقطع النظير يشهد به تراكم ثروات الطبقة السياسية وتضاؤل قدرات الموظفين والعمال وصغار الكسبة.

لم تكن إطلالته تمرداً على تلك الطبقة، أو إنتفاضة ضدها، كانت تعبيراً عن اليأس من إمكان اصطلاح أمور الدولة التي تحدث عنها مراراً وكأنه خارجها، مثلما كانت تعبيراً عن العجز أمام القطاع المصرفي الخاص الذي لم يتناوله بكلمة واحدة، ولم يلمّح الى أدنى تحفظ على سلوك المصارف التي تتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية عن الازمة الراهنة، ولا حتى الى الحاجة الملحة الى إصلاح ذلك القطاع المتضخم دوراً ووجوداً، وفروعاً تحرق اليوم في مختلف أنحاء الجمهورية.

تخلى الحاكم عن دوره الناظم، حسب القانون، للعلاقة بين "الدولة" وبين المصارف، التي تغلفها الاتهامات والشبهات بالتواطؤ والتآمر على المودعين والمستثمرين، ما أدى الى الانفجار الحالي الذي ينذر بالافلاس التام للجميع، والذي كان ولا يزال واحداً من أهم أسباب الثورة الشعبية المستمرة منذ 17 تشرين الاول أكتوبر الماضي، وحتى اليوم.

فكرة جديدة واحدة فقط طرحها الحاكم بشكل موارب، برغم أنها واحد من أهم أسرار "الدولة العميقة" في لبنان، التي يدور الهمس حولها منذ سنوات، من دون أن يجرؤ أحد على الافصاح عنها، أو الدخول في تفاصيلها، هي المساهمة المالية اللبنانية في الحرب السورية، عندما أكد ان لبنان أنفق مؤخراً أكثر بكثير من حاجة السوق اللبناني، في إشارة الى المشتريات النفطية التي كان المصرف المركزي يمولها لحساب الدولة اللبنانية، ويذهب جزء منها الى سوريا الخاضعة لعقوبات دولية، كادت تقطع المنتجات النفطية عن الجيش وعن المواطن السورييَن العام الماضي، قبل أن "يرأف" المجتمع الدولي بسوريا ويسمح بناقلات النفط بالتوجه الى الموانىء السورية.

كانت إيران ولا تزال تدفع ثمن حمولة هذه الناقلات، التي تغطي، حسب الخبراء، ما يزيد عن سبعين بالمئة من حاجات سوريا، أما الباقي فإنه كان يمر عبر لبنان، عبر خزينة الدولة اللبنانية وميزانيتها الرسمية، مثله مثل الكثير من المشتريات السورية التي كانت ولا تزال ايضاً تغطى بواسطة المصارف اللبنانية، من خلال ودائع سورية، أو ودائع مشتركة، او ودائع وراء البحار، لكن تحريكها يحتاج الى توقيع في بيروت.

لم يذكر الحاكم ما إذا كانت أزمة فقدان الدولار في الاسواق اللبنانية يأتي في هذا السياق، أو أنه يتأثر بالصراع الحاد الذي يدور هذه الايام بين أمراء الحرب السورية وأثريائها القدامى والجدد، على شركات الاتصالات والنفط والعملة والتجارة الحرة .. مع أن التطرق الى مثل هذا الجانب من الازمة اللبنانية هو أشبه بعملية إنتحارية من قبل أي مسؤول لبناني، صغيراً كان أم كبيراً.

كان يكفي الحاكم أن يقول أن لبنان يدفع ثمن الحرب السورية، لكي يخفف من مسؤولياته المؤكدة عن الازمة، ويعمق مسؤوليات خصومه السياسيين المتورطين في دفع هذا الثمن..ولكي يبقى مرشحاً لرئاسة الجمهورية.    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها