الإثنين 2020/04/27

آخر تحديث: 09:41 (بيروت)

عملية نصب عابرة للأجيال

الإثنين 2020/04/27
عملية نصب عابرة للأجيال
increase حجم الخط decrease
رغم الأزمة والواقع المعيشي المتدهور يومياً، تُواصل مكونات هذه الطبقة السياسية في صراعها الداخلي، الاستحواذ على الخطاب الإعلامي، وتضع أجندة السياسة في البلاد. خلال 24  ساعة، لم يبق زعيم أو مسؤول سياسي واحد لم يدلُ بدلوه. جميهم تحدثوا وصرحوا وهددوا، حتى من يتجنب الكلام عادة بينهم.

انتقلنا عملياً من حراك في الشارع يُحاكي آمال الناس بالخروج من براثن هذه الطبقة السياسية، واستعادة الأموال المنهوبة وتأمين استقلالية القضاء، إلى سجال بين قوى سياسية اعتادت الخصام والتآلف كجزء من عدة نصب يحفظها اللبنانيون عن ظهر عقب.

بعد 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وضعت الثورة أجندة سياسية جديدة، وأرغمت أقطاب السلطة على الخروج بتصريحات كاذبة ومنافقة عن تبدل سلوكهم السياسي وقلبهم صفحة الماضي المُثقلة بالصراعات والفساد والمحاصصة. كانت الثورة، ومن خلال ضغط الشارع، تدفع قدماً قوانين مقبولة شعبياً مثل استقلال القضاء واستعادة الأموال المنهوبة إلى أجندة مجلس النواب، وباتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط لا سياسيين فيها. تمكنت خلال أسابيع قليلة من ابعاد باسيل، الطفل المدلل للعهد والثابت أبداً في أي تشكيلة حكومية. وبات المسؤول السياسي يتجنب التصريح علناً ويجد من الصعب أن يدخل مطعماً لتناول وجبة، ناهيك عن الحضور إلى وسط بيروت. كان "حزب الله" في مأزق جنوباً وبقاعاً وحتى في الضاحية مع ارتفاع وتيرة التحدي لسلطته ونفوذه، ومعها الانتقاد لتجربته في الحكم.

كمّ الضغط لم يكن بالهين، بل كانت الطبقة السياسية تعيش في خوف مستمر من تراكم العمل الثوري واحتمال إطاحته بأفراد الطبقة السياسية. لفترة قصيرة، نجحت المجموعات الثورية في الإمساك بزمام المبادرة.

لكن هذه القدرة للثورة انتهت فعلياً مع تشكيل الحكومة الجديدة، وارتفاع وتيرة عمليات القمع، ومن ثم انتشار جائحة الكورونا وإجراءات الاغلاق وحظر التجول المرافقة لها. اختفت الثورة وخفت بريقها، وعاد كل أركان السلطة إلى الواجهة كأن تشرين لم يكن.

أليس غريباً بعض الشيء أن تقع مواجهة سياسية شاملة بين أركان الطبقة السياسية (المستهدفة بكليتها سابقاً) عشية بدء التخفيف من قيود الحكومة على الكورونا؟

خلال 24 ساعة، اكتملت الدراما اللبنانية بكل عناصرها. خرج علينا وزير الخارجية السابق جبران باسيل، منافحاً عن العهد وسياساته، وملقياً بالمسؤولية على الأطراف الأخرى. رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط فتح النار وكأنه ما زال مقيماً في "14  آذار"​ التي انقلب عليها. ذكّر "​التيار الوطني الحر"​ بأنه "كان ميليشيا في ​لبنان"​، ووصف "حزب الله" بـ"الانقلابي"، مشيراً إلى أن لبنان لا يسيطر على حدوده ومطاره وموانئه. 

و"حزب الله" عاد أيضاً الى لغة التهويل والتهديد، وكأنه عاد سنوات للوراء.​ النائب ​ابراهيم الموسوي​، بعد إشادته بعمل الحكومة، لوّح بأن "هناك من يعيش حالة ذعر وإنكار للحفاظ على سرقاته، إن نجوتم من الحكومة، فلن تنجو من يد ​الشعب اللبناني​". حكومة دياب، بحسب الموسوي، هي "حكومة الفرصة الأخيرة وبعدها الطوفان! فليحذر اللئيم الذي شبع من صولة الكريم الذي جاع!".

حتى السجال والتوتر بين "أمل" و"حزب الله" عاد الى الواجهة مع دفاع الأولى عن حاكم مصرف لبنان، وكأن الحليفين التوأم باتا برأيين مختلفين حيال مسألة جذرية كهذه.

عملياً اكتمل العقد بعودة "عدة النصب" السابقة، وحدد أركان السُلطة عناوين المعركة المقبلة التي ستبدأ مع رياض سلامة وحسان دياب، وتنتهي كالعادة باتفاق يُعيد عبقري السياسة والاقتصاد في لبنان سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. كيفما دارت، وبعد مرحلة من الفوضى وربما العنف، يبدو أننا متجهون نحو بيع ممنهج لموارد الدولة لاخراج المصارف من ورطة شاركوا في حياكتها مع أركان السلطة. إنها حلقة مفرغة سلمت المصارف ومعها "المركزي" أموال المودعين الى هذه السلطة لهدرها بكافة الوسائل، ومن ثم يُعيد أهل السلطة الأموال الى المصارف ببيع الدولة وما تبقى من ممتلكات عامة. 

نحن أمام عملية نصب عابرة للأجيال تتداخل فيها الصراعات الإقليمية والمماحكات المذهبية والشعارات الكبرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها