الأحد 2020/03/08

آخر تحديث: 10:40 (بيروت)

ليلة السكاكين بين السلطة والمصارف

الأحد 2020/03/08
ليلة السكاكين بين السلطة والمصارف
(دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
الاعتراض واجب، والبقاء على يسار حكومة الرئيس حسان دياب ضرورة وطنية. الثورة لم ولن تهدأ. لكن مسارها صعب وطويل، حتى تتمكن من "تغيير النظام"، الذي تعرض في الايام القليلة الماضية لهزة هي الاعنف في تاريخه، لم يسبق لأي من الحروب الاهلية او الخارجية التي عاشها لبنان طوال مئة عام من عمره، أن تسببت بها.

الثورة الشعبية التي إنفجرت في 17 تشرين الاول اكتوبر الماضي، كانت ولا تزال تبدو مثل حركة إحتجاج واسعة على النظام الذي كان قائما في مرحلة ما قبل العام 1975،والذي لم يولد بديل له في السنوات ال45 اللاحقة، برغم اتفاق الطائف الذي لم ينفذ منه سوى وقف النار وترميم هياكل الدولة ومظاهرها. لم تكن ثورة على نظام غير موجود بالفعل، إتخذ في الحقبة التالية للحرب الاهلية الاخيرة، شكل إئتلاف بين مليشيات ومافيات وعصابات تزايدت قوته نتيجة فراغ السلطة المركزية أو ترهلها.

الثورة كانت ولا تزال موجهة ضد ذلك الائتلاف، الذي جرت تعريته بالكامل، وتم الكشف عن أحد أهم عناصره، الموروثة منذ تأسيس الكيان اللبناني قبل مئة عام، وهي المليشيا المصرفية التي ساهمت في ذلك التأسيس وتوارثت حكم لبنان جيلا بعد جيل، حتى وصلت الى حد الإستبداد في إدارة الدولة ومؤسساتها ومواردها، والطغيان في التعامل مع اللبنانيين مودعين أو موظفين عابرين أمام ماكينات الصرف الآلي..

لم تكن الثورة تركز في إستهدافها على تلك المليشيا بالذات، ولم تندرج المصارف صراحة الى شعار"كلن يعني كلن". كان هناك خوف شعبي من ذلك المحفل السري، ومن ضياع ما تبقى من ودائع ورواتب وقروض. وكان هناك إكتشاف عام بأن المليشيا المصرفية أقوى وأعنف وأشرس مما كان يعتقد، برغم بعض سلوكياتها التي برهنت على أن "رأسمال المال جبان" حسب تعريفه الأول والأدق والأعمق.

لكن الثورة التي بدا في وقت من الاوقات أنها أخمدت بسلاح المليشيا المصرفية أكثر من سلاح أجهزة الأمن، تمكنت من هز ذلك الائتلاف المتجذر بين رموز السلطة وبين أصحاب المصارف، ودفعه الى تقاذف المسؤولية عن الافلاس المالي والسياسي، وصولا الى الاشتباك المباشر، في "ليلة السكاكين" الشهيرة يوم الخميس الماضي، عندما كادت الطعنات والتهديدات المتبادلة تؤدي الى سفك دماء وهدر مناصب وتقويض مواقع وفلتان في الشارع.

الخطاب الذي وجهه الرئيس حسان دياب، بالأمس، لا يخرج عن هذا السياق، بل يسلط المزيد من الاضواء على ذلك الصراع الحاد، ويعلن عن نية السلطة عدم الاستسلام أمام المليشيا المصرفية غير المنضبطة، وتعليق تسديد الديون لها، وخفض عدد المصارف والفروع التي صارت منتشرة مثل محال السمانة في كل شارع، وتقليص دورها في السوق، وتقنين علاقتها مع الناس. وهي نية توحي _إذا ما تحولت الى عمل_ بالرغبة والحاجة الى إصلاح القطاع المصرفي، ما يؤدي تالياً الى تغيير جوهر النظام اللبناني برمته.

الصراع ممتع فعلا، بل هو واحد من أهم الصراعات السياسية التي شهدها لبنان في تاريخه. في "ليلة السكاكين" الخميس الماضي، أعلنت مليشيا السلطة ومليشيا المصارف العزم على القتال حتى الرمق الاخير، وإن كان هناك مسؤولون وزعماء طوائف ومذاهب وأمراء حرب تحفظوا على ذلك الصراع، بينما تحمس آخرون لتسعيره، لأنهم ما زالوا خارجه فقط، وبعيدين نسبيا عن مؤسساته العميقة وعن خطوط التماس المشتعلة بين أطرافه.

 جموع اللبنانيين كانت تتفرج من بعيد،على ذلك الصراع المثير، وتجادل في ما بينها: أي مليشيا هي السيئة، وأيهما هي الاسوأ. الميل الراجح هو أنهما على درجة واحدة من السؤ والخطر، وهما على مستوى واحد من القدرة على إلحاق الاذى والضرر بالجمهور اللبناني عامة.. وهو تقدير يبشر بتقصير مهلة نجاح الثورة.        

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها