الأحد 2020/03/08

آخر تحديث: 07:11 (بيروت)

لماذا قاتلت إيران في سراقب؟

الأحد 2020/03/08
لماذا قاتلت إيران في سراقب؟
سراقب (تويتر)
increase حجم الخط decrease
لماذا شاركت ايران وحلفاؤها في معركة سراقب في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب والنقطة الاستراتيجية التي تمثل عقدة المواصلات بين حلب- اللاذقية وحلب – دمشق،فضلا عما تعنيه من تداعيات عسكرية وسياسية على كل الازمة السورية والدور التركي على هذه الساحة والتي عبرت عنها بنود الاتفاق المتجدد بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتن والتركي رجب طيب اردوغان في القمة الاخيرة التي استضافتها موسكو يوم الخميس الفائت في 5/3/2020؟. 

قد تشكل الضربة العسكرية التي قام بها الجيش التركي ضد مواقع تابعة لحزب الله اللبناني والفصائل الأفغانية والباكستانية التي تعمل تحت إمرة فيلق القدس في حرس الثورة الايرانية، والتي تسببت بسقوط عشرة مقاتلين من الحزب ومثلهم من الفصائل الاخرى، العامل المباشر لكسر القرار الذي سبق أن اتخذته هذه الفصائل في عدم المشاركة في المعارك التي يخوضها الجيش السوري بمساندة روسية مباشرة في محافظة إدلب، على الرغم من إعلان الجانب التركي أن هذه العملية جاءت ردا على استهداف رتل عسكري لقواته ادى الى سقوط نحو 35 قتيلا. 

الا ان قرار خوض معركة استعادة السيطرة على "سراقب" جاء بعد فشل الجيش السوري في الحفاظ على هذه المدينة امام الهجوم المضاد الذي قامت به فصائل المعارضة المدعومة من تركيا واستعادتها للسيطرة على هذا المحور الاستراتيجي والحيوي، ويدخل في اطار اعادة تثبيت الدور الايراني وحلفائه على الساحة السورية، وبالتالي تثيبت معادلة الشراكة الايرانية مع النظام في دمشق، ومع الحليف الروسي الذي بدا وكأنه قد تحول الى لاعب منفرد على هذه الساحة على حساب الشريك الايراني. 

والحكاية في قرار المشاركة في معركة سراقب والحاجة لتحقيق انجاز ميداني نوعي، تعود الى نوع من توجيه الرسائل بين طهران وكل من واشنطن وتل ابيب بعد عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني مطلع هذه السنة، اولا بان إخراج سليماني من المشهد الاقليمي لم يحقق الهدف المباشر منه باضعاف قدرات وفعالية قوة القدس، وان طهران والقوى المتحالفة معها في المنطقة، خصوصا على الساحة السورية التي تشكل ساحة الاشتباك بين محور "الممانعة" ومحور الاعتدال، أو كما تسميه طهران بالمحور الامريكي، استطاعت هذه القوى استيعاب الصدمة والانتقال الى مرحلة تعزيز القدرات القتالية والميدانية والعمل على تحقيق الاهداف التي تحبط المخطط الامريكي في المنطقة. وثانيا البدء في تطبيق الاستراتيجية التي اعلنتها ايران ومحورها بعد عملية الاغتيال بفرض الانسحاب الامريكي من منطقة غرب آسيا، وان مقدمات هذه الاستراتيجية بحاجة الى الانتهاء من الملفات المفتوحة والتي تشكل عامل استنزاف لقدرات هذا المحور في تطبيق خطته ومخططه، ومن ضمنها الانتهاء من البؤر التي ماتزال تشكل مصدر قلق على الساحة السورية في ريف حلب ومحافظة ادلب، ليتم بالتالي التفرغ للتعامل مع الوجود الامريكي في منطقة شرق الفرات وامتداده العراقي. وثالثا، لعلها الرسالة الاهم، بان الرجل او الشخصية التي تولت زمام الامور والقيادة بعد سليماني، اي الجنرال اسماعيل قاآني لا تقل صلابة وقدرة على تحقيق الإنجازات الميدانية والاستراتيجية من سلفها، وبالتالي فان رسالة سراقب تحاول القول بان "قاآني" ليس قادرا فقط على ملء الفراغ، بل وايضا احداث نقلات نوعية ميدانية وعسكرية لا تقتصر على الساحة السورية، بل تصل الى الساحة الافغانية ايضا، باعتبار ان المرحلة الحالية بالنسبة لايران وحلفائها هي مرحلة الدفاع عن الوجود والنفوذ والجهد التاريخي الذي بذل من اجل تثبيته، وان لغة الدبلوماسية لا شك قد تراجعت لصالح الميدان والمواجهة، وبالتالي فان الجهد الايراني ومحوره ينصب حاليا على إعادة ترميم قدرة الردع، التي ستساهم بدورها في تثبيت شخصية "قاآني" القتالية والقيادية، لذلك جاء الكشف عن أول صورة له على جبهات القتال في سوريا لتأكيد هذا البعد وهذا الدور.

يمكن القول ان الاهداف التي سعى وراءها المحور الايراني من معركة سراقب قد تحققت في غالبيتها حسب اعتقاده ومعطياته السياسية والعسكرية والاستراتيجية، إن كان على صعيد اعادة صوغ العلاقة مع الجانب الروسي وتثبيت قواعد  الشراكة على الساحة السورية، وان كان على صعيد العلاقة مع الوجود التركي وعدم تهاون ايران في ترسيخ المعادلات التي توافقت عليها مع موسكو حول وحدة الاراضي السورية وعودة السلطة المركزية في دمشق لبسط نفوذها على كامل التراب السوري، وايضا في ان مساحة المناورة التركية باتت محدودة وان على تركيا حسم خياراتها في الالتزام بالرؤية والمسار الذي تم التوافق عليه ثلاثيا مع موسكو او مواجهة موقف متشدد من اللاعبين الاخرين. خصوصا في هذه المرحلة التي تعتقد فيها طهران ان الخيارات باتت ضيقة من اجل الحفاظ على وجودها في المنطقة، وبالتالي فانها بحاجة للعودة بقوة إلى الساحة الاقليمية كإستيعاب لخسارة سليماني وبما يعطي الداخل الايراني الذهاب نحو المزيد من التشدد – بعد تجاوز أزمة كورونا وانعكاساتها- دعما عمليا لتوجهاته التي تساعده على فرض رؤيته على ادارة الرئيس حسن روحاني فيما تبقى له من ايام رئاسته لتثميرها لاحقا في اي حوار او مفاوضات محتملة مع واشنطن والمجتمع الدولي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها