الثلاثاء 2020/03/31

آخر تحديث: 07:21 (بيروت)

ساويرس ومستقبل العالم

الثلاثاء 2020/03/31
ساويرس ومستقبل العالم
نجيب ساويرس (تصوير: عمار عبد ربه)
increase حجم الخط decrease
مطلع أسبوع جديد، ويتضح القليل من أبعاد الأزمة التي يواجها العالم. مسؤول صحي بريطاني يصرح بأن قواعد الإغلاق يمكن أن تُمدد ستة شهور مقبلة، الأمر ليس مجرد أسابيع إذاً. في الولايات المتحدة، تقديرات مستقبلية لعدد ضحايا الوباء هناك، يتراوح بين مئة ومئتي ألف، ومسؤول حكومي يصرح بأن رقم المئة ألف سيعتبر نجاحاً للحكومة. دول تمدد الإغلاق العام، في إيطاليا شهر، وفي الأرجنتين أسبوعان آخران. دول جديدة تنضم إلى اللائحة، نيجيريا تغلق مدنها الكبرى. واليابان، التي كانت قد حاصرت العدوى، ترصد ارتفاعاً في معدلات الإصابات، فتعيد تشديد القيود على السفر مرة أخرى. تقارير تأتي من الهند، عن فداحة المعاناة الاجتماعية جراء حظر التجول.

ورغم حزمات التحفيز الهائلة التي تقرها الحكومات، تواصل بورصات العالم انهيارها، نسب الخسائر وحجمها تتجاوز أزمة 2008. المؤشرات الأولية للاقتصاد، في بريطانيا على سبيل المثال، تتوقع انكماشاً بمقدار 15% من الناتج الإجمالي في ربع سنوي واحد، المؤسسات صغيرة الحجم والمتوسطة، كثير منها لن يصمد أكثر من أسبوعين. أسعار النفط تواصل هبوطها الحاد، وتوقعات بتضرر شديد لاقتصاديات الدول المصدرة. الكساد العالمي أصبح أمراً واقعاً، وشبه رسمي، الأكثر تشاؤماً يذهبون إلى أن آثاره ستتجاوز الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. ولا أحد يعرف كيف ستصمد اقتصاديات دول الجنوب الهشة ومجتمعاتها أمام هذا كله.

في مصر، تصدر نقابة الأطباء بياناً لتنعي أول شهداء واجب التصدي للوباء، الطبيب أحمد اللواح من محافظة بورسعيد. والتخمينات تذهب إلى أن الإصابات والضحايا أكبر من المعروف. يوماً بعد يوم، يطلق رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس استغاثاته عبر "تويتر"، وفي وسائل الإعلام. الرجل الذي ينتمي لعائلة هي الأغنى في أفريقيا، وتحتل مركزاً بين أغني مئة عائلة حول العالم، يهدد بالانتحار إن لم يُرفع الحظر (الذي مازال جزئياً) في مصر. يطالب بمساعدات من الحكومة لقطاع السياحة، ويحذر من أن "دماء اقتصادية" ستسفك قريباً. القطاع الخاص ينهار، فيدعو لعودة العمال للمصانع (الحقيقة أن معظم العمال مجبرون على العمل حتى الآن)، فالضحايا من كبار السن، ونسب الوفيات قليلة في مصر، كما يقول. يقترح الملياردير المصري حلولاً: خفض كثافة العمالة، إسكانهم في مصانعهم أو بالقرب منها (شيء أشبه بمعسكرات العمل)، غسل الأيدي بالصابون، وارتداء الكمامات. بكل الأحوال، وبأي ثمن، يجب عودة العمال إلى أشغالهم، الضرر الاقتصادي أخطر من الفيروس نفسه.

مخاوف ساويرس حقيقية ومفهومة ومبررة تماماً، مستقبل العالم الذي يعرفه ونعرفه جميعاً على المحك، لكن ضيق الأفق في تصريحاته، قصر النظر والحلول المتمحورة حول المصالح الضيقة والآنية، صادمة. منذ زمن طويل، بطُل الحديث بلغة الصراع الطبقي، والبرجوازية التي تقتات على دماء الشغيلة. ينفر الناس من هذه العبارات، فربما من فرط تكرارها في الماضي بدت وكأنها تحوي الكثير من المبالغة. فلماذا يصبح كل هذا واضحاً اليوم وبكل هذه الفجاجة؟

لا يتكلم ساويرس بلسانه فقط، بل نيابة عن منظومة للحكم لطالما منحت أولوية لرأس المال، وتعاملت مع مواطنيها كـ"موارد بشرية"، وفي معظم الأحيان كعبء معرّض دائماً للتلف، خسائر جانبية يمكن إحلالها بسهولة. "عجلة الإنتاج" الحجة الأكيدة التي استخدمتها السلطة بعد يناير، المرة تلو الأخرى، لمصادرة الحريات، لفض "الاحتجاجات الفئوية"، ودهس الجثث، وكل صور التنكيل ضد خصومها. أثارت تصريحات ساويرس عاصفة من الغضب بالطبع، لكن الغضب وحدة ليس كافياً. فما قاله الملياردير، كما هو إقرار أمين وفظ بطبيعة الأمور، فيحمل في طياته أيضاً نبوءة عن طبيعة الصراع في المستقبل القريب، في حال كانت الضربة الاقتصادية أقوى من أن يتم امتصاصها. صراع صريح وعلني وبلا أدنى مواربة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها