الإثنين 2020/03/30

آخر تحديث: 09:51 (بيروت)

اقتناص فرصة الكورونا

الإثنين 2020/03/30
اقتناص فرصة الكورونا
increase حجم الخط decrease
ليست مكافحة فيروس الكورونا فقط ما يشغل بال هذه الحكومة، كما تُظهر الأحداث الحالية، بل هناك برنامج سياسي-حزبي يجمع بين تصفية الانتفاضة من جهة، وبين التأسيس لواقع أمني-سياسي جديد لن يتوقف مع انحسار خطر الوباء أو زواله.

فيما تنشغل الجهات الحقوقية في العالم في رصد آثار استخدام تقنيات مراقبة الأفراد عبر هواتفهم من أجل احتواء وباء "الكوفيد 19"، واحتمال استخدامها في تقويض الحريات بعد انتهاء هذه الأزمة الصحية، تعتقل السلطات اللبنانية ناشطين بلا مواربة وتُزيل خيم الاعتصام في اطار تصفية انتفاضة 17 تشرين خلف ستار مكافحة الفيروس.

منذ الشهر الماضي، تتجه الساحة السياسية إلى تكريس واقعين أساسيين من بوابة مكافحة الكورونا، أولهما اتساع سطوة الأجهزة الأمنية بكل فروعها بحجة حالة التعبئة العامة والطوارئ الصحية في البلاد، وملاحقة الناشطين وتصفية القوى المنتفضة ضد السلطة. وثانيهما إعادة الأحزاب إلى الواجهة من خلال توفير الخدمات الصحية ورفع الصوت في تبني مطالب شعبية، مثل عودة المغتربين اللبنانيين العالقين في الخارج.

في الواقع الأول، وعلى عكس العالم الغربي، لن تنتهي الحالة الأمنية الخاصة التي نعيشها اليوم، لجهة منع التجمعات واعتقال ناشطين، مع زوال خطر الوباء. هذه حالة ستتمدد على الأرجح، لسبب واحد، أنها تخوض معركة مع بقايا الانتفاضة رغم وجود أولويات أكثر الحاحاً. قبل الأزمة الحالية، كانت السلطة اللبنانية في خضم بحث متواصل عن حجج لمواجهة الانتفاضة، مثل اتهامها بالعنف او بإثارة النعرات واستهداف قيادات سياسية دون غيرها، أو وقوف جهات خارجية وراءها. لم تنفع كل هذه الوسائل، لكن السلطة بمكوناتها لم تتوقف عن سعيها. اليوم، جاء فيروس الكورونا فرصة سانحة من أجل فرض إجراءات خاصة ومنع أي تجمعات مستقبلاً، واتهام من يقف وراءها بالاخلال بالصحة العامة، حتى لو زال خطر الفيروس واكتُشف دواء أو لقاح له.

الواقع الثاني المفروض علينا جديداً، هو عودة الأحزاب السياسية. من بوابة الخدمات، تستعرض هذه القوى السياسية قوتها وقدراتها، بعدما واجهت معارضة شعبية نتيجة ممارساتها وفسادها في إدارة المال العام خلال العقود الماضية. في ظل أزمة الكورونا، بات علينا القبول بخدمات توفرها هذه الأحزاب، وأيضاً بحقيقة أن المطالب الشعبية مثل عودة المغتربين العالقين في الخارج، لا تتحقق من دونها. هي من ترفع الصوت من أجل هذه المطالب، ولديها القوة الكافية لتحقيقها. وهذه سمة من عهد الكورونا، يُبنى عليها خلال المرحلة المقبلة. 

وعلى هامش الأحزاب، أيضاً تبرز محاولات لوبي المصارف العودة للواجهة الشعبية وتحسين صورتها من خلال التبرع بالمال والترويج لأعمالها الخيرية عبر إعلاميين محسوبين عليها أفنوا حياتهم المهنية في خدمة الطبقة السياسية والمالية المتحكمة بالبلاد.

ليس بالضرورة أن تنجح هذه الجهود بسهولة، وبخاصة أن الآثار الاقتصادية والمالية السابقة للأزمة الحالية، متواصلة وما زالت مؤلمة، إذ تُواصل المصارف إجراءاتها المجحفة بحق المودعين (الصغار قبل الكبار)، في ظل الغلاء وارتفاع سعر صرف الدولار.

المشكلة أن أزمة الكورونا تشتري المزيد من الوقت لهذه السلطة السياسية وتتيح فرصاً لعودة الأحزاب النافذة شعبياً. في مثل هذا الواقع، الأرجح أن تطيل السلطة السياسية من أمد هذه الأزمة، على حساب المواطنين وما تبقى من الاقتصاد، بهدف تسجيل أهداف سياسية في ظل تشدد أمني يخنق الأصوات المعترضة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها