الجمعة 2020/03/27

آخر تحديث: 18:45 (بيروت)

الكورونا يحيي موتى الأحزاب

الجمعة 2020/03/27
الكورونا يحيي موتى الأحزاب
increase حجم الخط decrease
بعد انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كان من الواضح أن الأحزاب التقليدية، وأغلبها باستثناء تيار "المستقبل" المترهل أصلاً، تعرضت لانتكاسة مفصلية في تاريخها. حتى إن قادة تلك الأحزاب، ومنها "حزب الله" الأقوى والأكثر قدرة وعديداً، اعترفوا في كلمات لهم، بمسؤولية جزئية عن الواقع المرير وأيضاً بأن المرحلة جديدة، ولم تعد تنفع معها الأساليب السياسية الماضية. مئات آلاف اللبنانيين شاركوا في الانتفاضة، وأبرزوا معارضتهم لهذه الطبقة السياسية بكل مكوناتها.

وحقيقة أن المشاركة شملت مناطق لم تكن يوماً في إطار الاحتجاج، في الجنوب والشمال والبقاع والجبل، مثّلت مؤشراً لا لبس فيه إلى تراجع هذه القوى التقليدية، شعبياً وفي أوساط طوائفهم أولاً.

وبين المؤشرات الأخرى كانت انتخابات نقابة المحامين في بيروت، وانتصار المرشح المستقل ملحم خلف فيها. كان من الواضح أن القوى التقليدية ستُواجه تحديات ليست بالهينة في أي امتحان انتخابي مستقبلاً، رغم قلة التنظيم في أوساط قوى الانتفاضة، وتراجع المشاركة الشعبية في الحراك، واقتصاره على مجموعات معدودة.

لُب هذا التطور في المزاج الشعبي حيال الأحزاب، كان تراجع قدرة الزعماء التقليديين على توفير الخدمات والوظائف لمناصريهم والطوائف. بيد أن الزعماء كانوا الوسيط (غير السوي) بين الدولة المنهوبة من مواردها وبين المواطن، وهو ضحية عقود متواصلة من الإدارة السيئة والميليشيوية في الحكم. هذا الدور الريعي لم يعد متوافراً في ظل دولة غير قادرة على التوظيف، وعلى تأمين دفعات لمناصري الأحزاب بعناوين مختلفة من تعويضات المهجرين، إلى مساعدات عينية. بالعكس، تحتاج الدولة الى اتخاذ خطوات عكسية في هذا المضمار، كي تبقى على قيد الحياة. 

لكن هذه الأحزاب لم تستسلم بالتأكيد، والحقيقة أن روح الميليشيات ما زالت حية فيها. هي تحتقر الدولة، ولا تراها سوى كوسيلة. ترى هذه الأحزاب في أزمة انتشار فيروس الكورونا فرصة مواتية لرفع مستوى الاعتماد عليها، وللقضم مما تبقى من دور للدولة اللبنانية في زمن الأزمات. لماذا على سبيل المثال، قرر "حزب الله" هذا الإعلان الدراماتيكي لجهوده في مكافحة الكورونا، بدلاً من توفيرها عبر وزارة الصحة التي يضع على رأسها أحد الموالين له؟

بدا رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" هاشم صفي الدين أكثر ثقة وسلطة من وزير الصحة نفسه، عندما أعلن خطة التنظيم لمكافحة فيروس الكورونا. "مسعفو المقاومة الإسلامية" و"الجهد المشترك مع حركة أمل" ووجود "كادر عدده 24500 شخص بين طبيب ومسعف وغيرهم من مقدمي الخدمات الطبية والصحية".  "حزب الله" لديه جيش من العاملين في القطاع الصحي، يضم 1500 طبيب وثلاثة آلاف ممرض ومسعف. يُضاف الى هؤلاء، مجموعة لجان تعمل للتوعية الصحية ومتابعة شؤون اللاجئين وفرض الحجر الصحي عند لزومه، وتجهيز 32 مركزاً صحياً ومئة سيارة اسعاف و .. ليس "حزب الله" وحيداً في الميدان، بل هناك أحزاب كبيرة وصغيرة تُشارك في السلطة أو خرجت منها (موقتاً)، جنّدت طاقاتها من أجل توفير خدمات صحية وأيضاً بلدية مثل تطهير الشوارع، علاوة على توزيع العينات الغذائية.

ماذا يعني أن يُوفر هؤلاء الكوادر واللجان خدمات صحية وتوعوية ومساعدات غذائية وغيرها باسم أحزاب للمواطنين اللبنانيين خلال الأسابيع المقبلة؟ 

هذه الأحزاب الميتة في زمن الثورة، انتعشت في زمن الكورونا، وها هي تعود لنفوذها السابق من بوابة الخدمات. تُظهر لنا أنها السلطة الحقيقية، وعندما تنتهي موارد هذه الدولة المفلسة ومؤسساتها، ستطل الأحزاب برأسها. هذه المرة ظهرت في مجال الإغاثة الصحية، لكن ماذا لو تراجعت لاحقاً القدرات الأمنية للدولة في ظل تآكل رواتب العاملين فيها نتيجة الغلاء وارتفاع سعر الصرف؟ 

حينها، ستعود هذه "الأحزاب" إلى حقيقتها الأولى، وبأسلحة غير المعدات الطبية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها