الإثنين 2020/03/02

آخر تحديث: 07:25 (بيروت)

لعنة الكورونا

الإثنين 2020/03/02
لعنة الكورونا
increase حجم الخط decrease
التعاطي الحكومي الرخو مع أزمة فيروس الكورونا سيجعلنا عرضة لهذا الوباء العالمي، أكثر من أغلب دول العالم، سيما مع تعمق الأزمة المالية اثر تمنع البلاد عن دفع استحقاقات الدين الخارجي بعد أيام. 

الروايات والفيديوهات من المطار ونقطة المصنع تؤشر إلى فشل في فحص القادمين من المناطق الموبوءة،  وعلى رأسها إيران والصين وشمال ايطاليا. وهذا التقصير ينسحب على التعاطي مع الحالات المشتبه بها التي دخلت البلاد وعادت الى حياتها الطبيعية دون إمضاء فترة الحجر الصحي المطلوبة.

ورغم تصريحات وزير الصحة عكس ذلك، ليس لدى لبنان الآن الموارد المطلوبة لمواجهة تفشي هذا الفيروس في حال اتساع رقعة المصابين به،  فما بالكم بعد أسابيع عندما تتصاعد الأزمة المالية الحالية وترتفع أكلاف الطبابة والسلع! ذاك أن لغياب اجراءات الحجر الصحي، ومواصلة توافد الزوار والسياح اللبنانيين من ايران ودول أخرى موبوءة، آثاراً ستظهر تدريجاً خلال الأسابيع المقبلة.

لذا لا يُتوقع تحسن أداء السلطات اللبنانية في التعاطي مع الفيروس، بل بالعكس، سيزداد الضغط على القطاع الصحي كلما ارتفع عدد الحالات، وقد انتقلت خلال أيام من حالة واحدة الى عشرة. ولا بد أن تُرتكب هفوات في العملية. يُضاف الى ذلك أننا أمام قطاع صحي يُعاني أصلاً نتيجة عدم تسديد الدولة لمستحقات المستشفيات، ولوجود أزمة في استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية في ظل اتساع الهوة بين سعري الدولار الرسمي وفي السوق.

سينقل هذا الفشل، الأزمة المحدودة حالياً الى مستويات أوسع وأبعد من الدولة وحدها. مع مضي الوقت، سيتولى المواطنون اللبنانيون أنفسهم إدارة الأزمة إما من خلال المتطوعين أو عبر المنظمات الدولية الناشطة على الأرض، وبينها تلك العاملة في إغاثة اللاجئين السوريين. وهذه فئة كفوءة، سيما لو قارناها بأداء هذه السلطة ومكوناتها الحزبية.

صحيح أن الفيروس مشكلة دولية وأننا لسنا بين الدول المتفشي فيها بكثرة، إلى الآن، إلا أن هناك أسباباً إضافية لأن نقلق أكثر من غيرنا في لبنان، ليس فقط لأننا لا نثق بالسلطة المخولة بإدارة شؤوننا، بل لأن مزيج الأزمة المالية والوباء والتقصير الحكومي، يزيد المضاعفات وقد يضعنا في موقف لا نُحسد عليه.

وكورونا فيروس يملك مقومات مقلقة. ليس دقيقاً الكلام أن الحمى الموسمية أكثر خطورة لأن عدد ضحاياها أعلى بكثير. الكورونا يشترك مع الحمى الموسمية في سرعة العدوى. إلا أن الكورونا يقتل أكثر قليلاً من اثنين في المئة من المصابين (أكثر من واحد في المئة في بعض الاحصاءات الأخرى)، ويُلحق أذى بالجهاز التنفسي لقسم أكبر بكثير منهم، في حين معدل الوفيات بين المصابين بالحمى الموسمية هو 0.1 في المئة. بكلام آخر، معدل الوفاة بالكورونا أعلى بعشرة أو عشرين ضعفاً من الحمى الموسمية.

يومياً، سنكتشف حالات جديدة في أنحاء المنطقة التي تُعد ايران مركزاً لنقل العدوى فيها، نظراً لمواسم الزيارة الدينية ولأخطاء جسيمة ارتكبتها السلطات في التعاطي مع هذه الأزمة المستجدة. وما زالت أعداد اضافية من اللبنانيين تعود الى البلاد من ايران، دون وجود اجراءات أو موارد كافية للتعاطي معهم ووضعهم في الحجر الصحي.

وهذه الأزمة ليست مزحة، بل قد تتحول الى مقتل لهذا البلد المسكين ولفقرائه الذين يزدادون كل يوم. 

مراسل الشؤون الصحية في صحيفة "ذي نيويورك تايمز" دونالد ماكنيل جونيور قارن في مقابلة خطورة الكورونا بالحمى الاسبانية التي أصابت أكثر من ربع سكان العام عام 1918، أي نصف مليار انسان، قضى منهم ما بين 50 و60 مليون مريض وربما أكثر. طبعاً لسنا في العام 1918 والكورونا يقتل نسباً أقل، والعالم بات أكثر قدرة على التعاطي مع هذه المخاطر. لكننا هنا في لبنان، ومعايير العالم لا تنطبق على هذه الشلة الفاشلة المتحكمة بمصائرنا!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها