حتى في موضوع المقاومة، يتضمن البيان نبرة أعلى من السنوات الماضية، لم تكن هناك حاجة ولا مبرر لها، بل ربما تخدم الأصوات التي تتهم الحكومة بالتبعية لـ"حزب الله".
بداية، اعتمدت النُسخة غير المعتمدة فقرة المقاومة الواردة في بيان الحكومة السابقة: "لن نألو جھداً ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقّى من أراض لبنانيّة محتلة وحماية وطننا من عدو لمّا يزل يطمع بأرضنا ومياھنا وثروتنا الطبيعيّة … التّأكيد على الحق للمواطنات وللمواطنين اللّبنانيين في المقاومة للإحتلال الإسرائيلي ورد إعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة".
لكنها تتابع في فقرات أخرى الحديث عن التهديد الاسرائيلي من دون مناسبة، أي أن الكلام تحصيل حاصل إلا أن إعادة توكيده تؤشر إلى استعارة اللغة الفضفاضة للنظام السوري. "تلتزم الحكومة الإلتفاف حول الجيش والمؤسّسات الأمنيّة في مكافحة الإرھاب وشبكات التجسّس الإسرائيليّة". ثم تقول في البيان "إنّ لبنان المصمّم بموقف واحد على الحفاظ على ثروته النفطيّة في المياه البحريّة والمنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، يدرك أطماع العدو الاسرائيلي وادّعاءاته ومحاولاته التّعدي على ھذه الثّروة، يتمسّك بمبدأ ترسيم الحدود البحريّة، وفقاً للقوانين والأعراف والمعايير الدوليّة لتثبيت حدوده حفاظاً على ثروته وحقوقه كاملة".
بالتأكيد لدى اسرائيل أطماع في الثروة النفطية والغازية اللبنانية وفي سائر المنطقة، لكن مشكلة القطاع في لبنان أساسها تلكؤ الطبقة السياسية وكسلها وخلافاتها الداخلية (النابعة خلال السنوات الماضية من أوامر طرفي الصراع الإقليمي). وأيضاً، تأجل ترسيم الحدود البرية والبحرية، نتيجة الخلافات المحلية والاقليمية على هذه الملفات، إذ لم يدخل لبنان أساساً في المفاوضات بما يخدم مصلحته، بل غرق في نقاش تفاصيل وأطر مع الوسيط الأميركي، لا طائل منها. يبقى أن التأخير في الترسيم والاستكشاف في بقية البلوكات، أعلى كلفة على لبنان من أي تهديد وأطماع خارجية، سيما أن اسرائيل وتركيا وقبرص ماضية في استكشاف الغاز واستخراجه حتى من المناطق المتنازع عليها.
البيان الوزاري المقترح يتجاوز توكيد المتفق عليه في مسألة اعتبار اسرائيل عدواً وضرورة حماية لبنان منها، إلى ادعاءات تُفقد الحكومة مصداقيتها، وتحديداً هذه الفقرة: "وبما أنّ الغاز والنّفط ھو مادة استراتيجيّة يتوجب علينا حمايتھا مما يتطلب تقوية القوّات البحريّة والجويّة ليصار الى حماية المنصّات والمياه الإقليميّة والمنطقة الخاصة الإقتصاديّة".
هل بإمكان دولة على حافة الإفلاس، يحتاج عدد متزايد من مواطنيها الى مساعدات انسانية، بناء قوة جوية وأخرى بحرية لمواجهة "الأطماع الاسرائيلية"؟ بالتأكيد لا. إذاً، لماذا يكذب علينا هذا البيان؟ وهل ينسحب هذا الكذب على بقية الإدعاءات في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي وفي خصوص استقلالية القضاء واسترداد الأموال المنهوبة وغيرها من القضايا؟
هذه أسئلة مشروعة، يُضاف إليها أن هذه الحكومة تخوض معركة صدقية ليس فقط مع الداخل اللبناني المرهق من ممارسات هذه السلطة، لكن أيضاً مع المجتمع الدولي المانح للمساعدات. إنها بداية غير موفقة لحكومة لا تملك الوقت.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها