الأحد 2020/02/16

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

الحريري: دخان بلا نار

الأحد 2020/02/16
الحريري: دخان بلا نار
علي علوش - المدن©
increase حجم الخط decrease
كان هناك دخان، من دون نار، حتى تحت الرماد.

ما وصف بأنه خطاب ناري، لم يلهب أحداً، لا من أهل البيت وضيوفه ولا من الخصوم، عدا واحداً، أفرغه من مضمونه، بكلمة واحدة، مفادها أنه ينتظر عودة الخطيب مرة أخرى عن غيّه، لكي يكملا معاً مسيرة التسوية.


لم يبق من خطاب الرئيس سعد الحريري، ما يمكن أن تحفظه الذاكرة. توسل ذكرى والده الشهيد، بشكل درامي مصطنع، فأرهق نفسه وأتعب الجمهور الذي يرزح تحت وطأة أزمة معيشية، لا تنفع معها الذكريات، ويستعد لتحطيم جميع المحرمات.  

اللجوء إلى إسم الشهيد، لم يعد يجدي نفعاً. الدفاع عن منجزاته ومشروعاته لم يكن بحاجة إلى هذه الحملة الإعلانية، التي بدت سقوطاً إضافياً أمام خطاب "تجربة الثلاثين سنة الماضية" الذي أطلقه العونيون ورفاقهم في حزب الله، رداً على الإتهام المباشر أيضاً الموجه إليهم من قبل بقية الأحزاب والتيارات بأنهم عطلوا البلد في تلك الفترة لأكثر من خمس عشرة سنة كاملة.


الانخراط في الصراع على الذاكرة، غيّب فكرة جوهرية بسيطة هي أن الحريرية كانت المخرج الوحيد، والذي لم يكن له بديل، من الحرب الأهلية. وكانت الخيار الأسرع ، إن لم يكن الأمثل، لطي ذلك الفصل المظلم من التاريخ اللبناني. لكن أمراء تلك الحرب وحلفاءهم في ما وراء الحدود، استوعبوا الحريرية ودمجوها في تجربتهم، حتى أنهوها. وشرعوا حالياً في مهاجمة البيت الذي انطلقت منه بهدف إغلاقه نهائياً. وهو ما يبدو قريباً.

وقف الابن في قفص الدفاع أمام محكمة محلية لم يذكر مرة واحدة أنها لا تحاكم أحداً سوى والده. ولم يتطرق حتى إلى المحكمة الدولية التي شُكلت لسد فراغ القضاء اللبناني في محاكمة قتلته.. ولم يبدد الشكوك حول خلافات العائلة الحريرية وصراعاتها، التي تطل الآن بشكل كاريكاتوري من خلال شقيقه بهاء، أو من خلال التنافس على الاستحواذ على الضريح، أو على الاشتباك مع جمهور الثورة.. ما يهدد بتسريع اندثار الأسرة ومصادرة البيت.   


لم يؤسس الخطاب لانتقال الرئيس والتيار والجمهور إلى المعارضة، بل أعلن أنه باق على سور السلطة يدق البوابة من الخارج طالباً الإذن بالدخول مرة أخرى. النار التي لوح الحريري بإشعالها كانت تختصر بجملة واحدة: مشكلة العهد هي في الرئيس نفسه، الذي لا يزال يسمح بوجود رئيس ظل تناهضه الأسرة العونية ذاتها كما يناقضه معظم رموز التيار العوني، الباقين منهم في المناصب كما المبعدين عن المواقع.

لم يكن متوقعاً من الحريري، ولا كان مطلوباً أن يلمح مثلاً إلى أن أسلوب الرئيس هو لب المشكلة وجوهرها، وإلى أن السنوات الثلاث المقبلة ستكون أسوأ من السنوات الثلاث الماضية. التفكير بإزاحة الرئيس شأن خطر، لا سيما وأنه ليس من ضمانة بأن الآتي من بعده سيكون أفضل. لكن فتح النقاش من الآن، وتحديداً في ظل الثورة الشعبية على السلطة، بات مرغوباً ومحبباً أكثر من أي وقت مضى. ثمة حاجة فعلية إلى تحديد مواصفات الرئيس الماروني المقبل ورسم ملامحه من اليوم، وفتح المنافسة على مصراعيها.  


الإشارة الخجولة والمترددة التي أوردها الحريري إلى الانتخابات النيابية المبكرة، لم تكن مقنعة أبداً، ولعلها عكست الخوف من أن الغالبية النيابية التي يتمتع بها تيار المستقبل حالياً، لن تتكرر. وهذا صحيح. لكن فتح المعركة السياسية الأكثر شعبية الآن، معركة تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي، يساعد في اكتساب ثقة، ولو مزيفة، بعلاقة التيار مع جمهوره المنفضّ عنه، وإعادة ترميم تلك العلاقة، من خلال سلسلة خطوات بسيطة تبدأ بتسوية الخلافات المالية مع العاملين السابقين في التيار، بمبالغ لا تزيد عما أُنفق في جنوب أفريقيا، وتشمل استرداد الجمهور الحريريّ الذي يواجه أكثر من غيره ضائقة معيشية، قد تدفعه إلى التوجه مرة أخرى نحو المساجد والمشايخ.. رداً على الإتيان برئيس للحكومة يفتقر إلى أبسط مقومات التمثيل والحضور الشعبي.

كان يكفي أن يقول الحريري، أنه باق في المعارضة حتى نهاية العهد، وأن أولويته هي قانون انتخابي مستوحى من قانون لجنة فؤاد بطرس، النسبي مع الدوائر الموسعة، مع صوتين تفضيلين، واحد للدائرة الصغرى وثان للدائرة الكبرى، وأن يعلن القطيعة الكاملة مع التيار العوني ورفاقه الشيعة، الذين يغامرون بمستقبل الطائفة السنية ويدفعونها من الإحباط إلى المجهول.

لكن الحريري اختار اطلاق الدخان من دون نار، تتيح له العودة الى السلطة مرة أخرى.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها