الخميس 2020/11/26

آخر تحديث: 10:29 (بيروت)

لبنان كضحية لرياح التطبيع الخليجية

الخميس 2020/11/26
لبنان كضحية لرياح التطبيع الخليجية
increase حجم الخط decrease
حتى الآن، لا تزال حصانة لبنان ضد التطبيع مع إسرائيل تفوق مناعته ضد وباء كورونا. لكن الخطر قائم، ويمكن أن يأتي من بوابات خلفية لا يتوقعها أحد، وقد لا ينفع معها حجر أو لقاح.

وعلى الرغم من أن الوباء ما زال يحصد يومياً المئات من اللبنانيين قتلى ومصابين ومعزولين، فإن ثمة أملاً بان خطره بات في الاشهر الاخيرة، قبل ان تصل اللقاحات في النصف الاول من العام المقبل، ويعود اللبنانيون الى التنفس بحرية، من دون كمامة أو عازل من أي نوع.

وهي ليست الحال مع قطار التطبيع العربي مع إسرائيل الذي لا يزال يسير بسرعة، ويتوقف كل يوم في محطة جديدة، ويقدم مشاهد ونماذج وصوراً لا يمكن تصديقها، ولا تجوز مقارنتها مع تجربة التطبيع العربي الأولى في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، التي كانت ولا تزال رسمية، خجولة، متأففة، لم تمس جوهر الصراع مع العدو، ومكونه الاصلي، ولم تعكس تبدلاً في موقف الشعبين المصري والاردني من الدولة اليهودية.

كانت تلك التجربة، ولا تزال مبنية على وعي راسخ بأن ثمة هوة عميقة تفصل البلدين العربيين، عن دولة إسرائيل، لا يمكن ردمها بمعاهدات ثنائية على ترسيم الحدود الثنائية، وعلى نيل رضا الاميركيين ومعونتهم المالية. ومن توجيه رسمي، ظل الشعبان المصري والاردني خارج ذلك التواطؤ، وظل الاسرائيليون أعداء في شوارع القاهرة وعمّان. وبقي الفلسطينيون عهدة ثابتة، ووعداً قائماً لا يمكن تجاوزه بسهولة، برغم هزال وضعه الداخلي.

اليوم، يتخذ التطبيع منحى مغايراً. ما أن صدر الأمر من القمة، حتى ظهر في الامارات والسعودية، تحديداً، توق شعبي مفاجىء لفتح الابواب والاحضان للاسرائيليين، وللتحرر مما وصف بأنه عبء الصراع المزعوم مع إسرائيل، وعيب الالتزام بالحق الفلسطيني.. وللتفلت أخيراً من تعهدات سابقة بعدم طعن مصر والاردن في الظهر، والدوس على مصالحهما الوطنية المباشرة، من أجل التحالف مع إسرائيل.

في القاهرة وعمّان ما يشبه الصمت على ما يفعله الاماراتيون والسعوديون، سواء بالنسبة الى قناة السويس أو خطوط النفط والغاز والتجارة والنقل والطيران، أو عن شبكات الأمن والاستخبارات والانترنت.. وهي كانت حتى الامس القريب تصنف بالحد الادنى إنتهاكات للامن القومي العربي، وتقيم حواجز، بل جدران سياسية ونفسية لا يمكن إزالتها بسهولة بين المشرق وبين الخليج، وهي تبدو أسوأ وأخطر بكثير من السواتر الترابية التي تقيمها السعودية والامارات مع إيران.

والحال أنه إذا كانت ابو ظبي والرياض ما عادتا تقيمان وزناً لمصر والاردن، فان إزدراءهما لبقية دول الطوق، او المشرق عموماَ، لا سيما حلقتها الاضعف، أي لبنان، يصبح بديهياً، وتصير العلاقات اللبنانية الاماراتية والسعودية، محكومة بشروط جديدة، يتقدم فيها الاعتبار السياسي والامني على بقية الاعتبارات السابقة، وتسقط المعاملة التفضيلية التي كان يتمتع بها لبنان، في الماضي، بناء على تكوينه الخاص وموقعه المميز، بما ينذر بان تغيب يوماً ما المساهمات والمنتجات اللبنانية من الاسواق الاماراتية والسعودية، التي تحتفي هذه الايام بالغزو التجاري الاسرائيلي وبالفواكه والخضار المنتجة حتى في المستوطنات اليهودية المقامة على الاراضي الفلسطينية المحتلة، والتي لا تزال محظورة في مختلف بلدان اوروبا الغربية.

ما زالت خسائر لبنان المباشرة من التحالف الاماراتي والسعودي مع إسرائيل محدودة بالمقارنة مع الاضرار التي لحقت بالاقتصادين المصري والاردني مثلا. لكن ذلك التحالف الثلاثي يمكن ان يتوصل الى صيغة للتعويض الجزئي على الاشقاء المصريين والاردنيين، لكنه يُستبعد أن يأبه للبنان ومصالحه.. من دون ان يطالب بثمن سياسي وأمني مسبق، يحدده الاسرائيليون، ويلتزم به الاماراتيون والسعوديون بلا تردد.

التطبيع مع إسرائيل، ليس خياراً لبنانياً  قابلاً للبحث من أي فريق محلي، بناء على تجارب سابقة كانت مدمّرة. لكن الخطر وارد، بل لعله بدأ للتو، وهو يتقدم الآن على خطر كورونا، وربما يتطلب ما هو أكثر من الحجر واللقاح.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها