الإثنين 2020/11/02

آخر تحديث: 17:12 (بيروت)

متسلقو الثورة سيسقطون

الإثنين 2020/11/02
متسلقو الثورة سيسقطون
ساحة الشهداء (getty)
increase حجم الخط decrease
تُواجه انتفاضة أو ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، نقداً كثيراً، مُعظمه يُقلل من أهميتها لأسباب لها علاقة بالفاعلية والاستمرار وقدرة القوى المنبثقة عنها على تحريك الشارع.

والنقد ضروري هنا، إذ تُعيد السلطة، وبكل وقاحة، انتاج التركيبة والمحاصصة بينها وكأن شيئاً لم يحدث. صحيح أن هذا الواقع يعود جزئياً الى عجز القوى المنبثقة عن "17 تشرين"، عن تحريك الشارع والاحتجاج على عودة المنظومة القديمة من دون تغيير يُذكر. ذلك أن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، ومن يدعمه في الطبقة السياسية، لم يعد يأخذ الحركة الاحتجاجية على محمل الجد. ينحصر الهم السياسي اليوم في توزيع الحصص، وأيضاً اختيار أسماء مقبولة بالحد الأدنى لا تستفز المانحين.

لكن وفي سياق تشخيص أسباب هذا الواقع، تبرز عوامل سياسية عامة، وأخرى على ارتباط بالقوى الناشئة المعارضة للطبقة السياسية.

على الصعيد السياسي، مثّلت تجربة حكومة حسان دياب، محطة انتقالية ممتازة للطبقة السياسية. لم ينجح الرجل في تحقيق أي تقدم على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي، ولا في كسب ثقة أي طرف في المجتمع الدولي، ما عدا ايران وربما كوريا الشمالية، بل فشل في فرملة الانهيار وابطائه. ولم يتحد السلطة السياسية ولم يمنعها من المحاصصة. حتى في التواصل مع الناس، استخدم رئيس الحكومة المستقيلة لُغة غير مفهومة.

باختصار، كانت تجربة دياب فاشلة بقدرٍ كافٍ لإنجاح مهمة أي رئيس حكومة بعده، ولو كان من وجوه السلطة ورموزها كما الحال مع الحريري.

من خلال التلطي وراء حكومة حسان دياب، خفضت السلطة سقف المطالب، وصار تراجع هزيل في سعر صرف الدولار انجازاً عظيماً، ناهيك عن الكهرباء وتوافر الوقود والأدوية، وهي من أساسيات الحياة. وهذا الواقع المرير، والقبول به انتصار يُحسب لأهل السلطة.

على مستوى الثورة وتنظيماتها، لا بد من الإشارة الى صنفين من هذه القوى، الأول كان تركيزه على الشارع وانشاء هياكل ديموقراطية تمثيلية لا وجود لها على الجانب الآخر. وهذه القوى تُحقق بعض التقدم، على رغم قدراتها المحدودة نسبة لأحزاب تصل موازنات بعضها لمئات ملايين الدولارات. هي تُناقش اقتراحات الحلول وتُبلورها داخلياً، فيما تُواصل الاحتجاج في الشارع وتتوسع مناطقياً على الصعيد التنظيمي.

فئة ثانية في الثورة، هي تلك القوى الصُدفية، وتتألف من مجموعة أصدقاء ومعارف لم تنشط تنظيمياً، بل تمضي جُل وقتها في النقاشات في ما بينها، وكأنها ناد للعب الورق يجتمع المشاركون فيه دورياً للتسلية. لا إطار ديموقراطياً هنا ولا مؤسسات حزبية أو تنظيمية تتيح للشباب وللمرأة والفئات الأخرى في المجتمع الدخول والوصول الى مراكز قيادية دون "واسطة". إنها أطر جامدة لا يتخطى أعضاؤها العشرات.

ولكن بين هؤلاء بعض الطموحين لدخول الحيز العام، وهم في حاجة الى واجهة حزبية أو سياسية يستخدمونها ضمن سياق مساعيهم ولقاءاتهم الدورية المتتالية. وهؤلاء الأشخاص من الفئات الميسورة التي تتمتع بعلاقات "طبيعية" مع عائلات السلطة وأثريائها والأقطاب والأبواق الإعلامية فيها. وكالكائنات المخملية، يقفز الواحد من هؤلاء في كل وأي نافذة مهما ضاق حجمها، المهم هو السلطة والظهور.

لهذا، فإن من المتوقع بروز هؤلاء كحلول وسط وكأسماء مرشحة لتولي المناصب باسم الثورة، حين تقتضي الحاجة. ذاك أن هؤلاء يرون في حركة الاحتجاج فرصة سانحة ونافذة قد تُغلق، وليس طريقاً طويلاً محفوفاً بالمخاطر والتضحيات من أجل التغيير الحقيقي.

لن يبقى من الثورة سوى تنظيمات فاعلة معدودة ومتصلة مع الناس وهمومهم، ونشاط نقابي يتحدى هيمنة السلطة ويُحدد الأجندات وفقاً للمصلحة العامة. وهذا تهديد لهذه الطبقة السياسية، لا بد أن يكبر كلما اتسعت دائرة فشلها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها