الأحد 2020/11/15

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

ترامب..ومن بعده الجحيم!

الأحد 2020/11/15
ترامب..ومن بعده الجحيم!
increase حجم الخط decrease
بعد كورونا وموجته الثانية التي تضرب الكرة الارضية هذه الايام، وتفرض الخوف والحجر على نصف سكانها، يحتل الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وسلوكه الغريب المرتبة التالية على لائحة المخاطر العالمية، التي تهدد الامن والسلم والاقتصاد والاجتماع في معظم بلدان العالم.

التقدم الذي حققه علماء الطب أخيراً في مساعيهم الحثيثة للعثور على لقاح فعّال وآمن، لم يترافق حتى الآن مع تقدم يسعى إليه فقهاء السياسة في تحليل عزم ترامب على تحدي إرادة أكثر من 76 مليون ناخب أميركي وأكثر من نصف أصوات المجمع الانتخابي.. وفي تقدير ما يمكن ان يقدم عليه قبل ان يسلم بالهزيمة أمام الرئيس المنتخب جو بايدن، ويغادر الرئاسة في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل.

وكما يكتم العالم أنفاسه، حرفياً، لتفادي خطر كورونا، تعيش غالبية شعوبه على أعصابها، بانتظار الخطوة المقبلة، أو التغريدة الجديدة لترامب، التي يمكن أن تحدد مستقبل أميركا، المنقسمة على نفسها بحدة لم يسبق لها مثيل.. كما يمكن ان تغير من سلوك الكثير من جيوش دول العالم وأجهزة إستخباراته، ورجال أعماله وأطبائه وممرضيه.

وكما يبدو فيروس كورونا المتفشي بسرعة جنونية، مكوناً وحيداً، كذلك يظهر ان ترامب رجل مستوحد، لا يخضع لأي قانون أو عرف أو منطق، ولا يأبه لأي وزير او مستشار ولا ينصت حتى لأقرب الناس إليه، من فريقه أو أفراد عائلته. هو الآن مثل ذئب جريح، يخشى أن تنقض عليه الوحوش الكاسرة، ويحسب فعلاً، لإحتمال ان يدخل السجن على جرائم وجنح عديدة، عطلت حصانة الرئاسة تحويلها الى دعاوى سارية أمام المحاكم الأميركية.. حتى قيل أنه لم يرغب بالرئاسة إلا لكي يحصل على مهلة أربع سنوات، تجنبه المثول أمام القضاء بتهم لم يسبق أن وجهت لأي رئيس أميركي من قبل.

لكن الرئاسة والمؤسسة والقانون في أميركا أقوى وأعرق من مشبوه رئاسي يمكن إخراجه بسهولة من البيت الابيض، أو يمكن حمله على الخروج في الوقت المناسب. والواقع ان ترامب، وبعدما خسر ولايتي أريزونا وجورجيا، وبات من المستحيل عليه أن ينقض فوز بايدن بالغالبية الحاسمة، أصبح أقرب الى التسليم بأن عليه يوماً أن يقبل بالنتيجة ويتخلى عن الرئاسة.

والارجح أنه سينتظر حتى اليوم الأخير من الانتخابات، المحدد في الثامن من كانون الاول/ديسمبر المقبل، عندما ينعقد المجمع الانتخابي ليتلقى رسميا نتائج الولايات الخمسين من حكامها، ليصادق عليها ويبت نهائياً بفوز بايدن، المعلن حتى الآن من قبل وسائل الاعلام.. ويطلب من ترامب تسليم الرئاسة الى الرئيس المقبل، وهو ما يعني ضمناً الطلب من المؤسسات السياسية والعسكرية والامنية، ضمان عملية التسليم والتسلم.

الملايين ال72,6 التي صوتت لترامب، ستسلّم، أو هي سلمت بالفعل بالهزيمة، لكنها لن تستسلم. تظاهرة واشنطن بالأمس المؤيدة للرئيس السابق، لم تكن مليونية، كما كان متوقعاً، ولم تكن عنيفة كما كان مرتقباً، لكنها كانت كافية لمد ترامب بسبب إضافي للعناد والتحدي والتمرد، ولو حتى الثامن الشهر المقبل.. أو حتى العشرين من كانون الثاني المقبل.

ليست أميركا دولة مضطربة، ربما تصبح كذلك، في المستقبل، إذا لم تخضع لضوابطها الخاصة، وتتصالح مع أقلياتها المتكاثرة. لكن قرارها الآن، وحتى إشعار آخر، هو بيد رئيس مضطرب فعلاً. هو لا يستطيع ان يشن حرباً في الخارج، من دون موافقة الكونغرس بمجلسيه، لكن بمقدوره أن يشعل صراعاً داخلياً مفتوحاً حتى موعد الانتخابات الرئاسية في العام 2024.

لكن ترامب، مثل وباء كورونا تماماً، يمكن ان يتسلل الى أي منطقة في العالم، لكي ينفذ، من دون الحاجة الى إبلاغ الكونغرس سلفاً، عملية إغتيال أو تفجير أو غارة.. بحجة أن الهدف هو خدمة المصالح الاميركية، ولا يتسبب بالضرورة بتورط أميركا في حرب خارجية جديدة. وثمة إحتمال أكثر ترجيحاً، وهو أن يعمد ترامب الى تحريك القوات الاميركية في منطقة ما، سواء كان ذلك إنسحاباً أو إعادة إنتشار، بما يؤدي الى تشجيع حلفاء أميركا على إشعال حروبهم الخاصة التي لا تستدعي تدخلاً أميركياً مباشراً.

وفي هذه الحالة، لن يكون سلوك ترامب مبنياً على نزعة شرٍ فردية، بل أيضاً عن هوية القوة الاميركية.. وإن كان دافعه الرئيسي هو التعبير عن غضبه من الهزيمة الانتخابية، وعن رغبته في تحويل رئاسة بايدن الى جحيم، أو على الأقل الى أربع سنوات من المصاعب والمتاعب.. بغض النظر عن كلفتها على أميركا، والعالم أجمع.

في هذه الحالة، يصبح السؤال: أي بلاء أخطر، أهو ترامب أم كورونا؟ وأي لقاح آمن ضدهما؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها