الأربعاء 2020/10/21

آخر تحديث: 00:23 (بيروت)

أخبار سعيدة من لاباز

الأربعاء 2020/10/21
أخبار سعيدة من لاباز
حزب "الحركة من أجل الاشتراكية" يحتفل بفوز مرشحه لويس آرس في الانتخابات الرئاسية البوليفية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لم أتمكن من زيارة لاباز أبداً. حدث ذلك منذ أربعة أعوام، على ارتفاع ثلاثة الآف وستة أمتار، وفي الطريق الصاعد إليها، سقطت مريضاً بغثيان الارتفاعات. اكتفيت بزيارة العاصمة السياسية، سوكريه، مدينة كولونيالية صغيرة مطلية بالأبيض، يمكن اجتيازها على الأقدام من طرف إلى آخر، في أقل من ساعة، أو هذا ما بدا لي حينها. وهناك، تكرر الأمر نفسه، كان الغثيان قوياً حتى أنه منعني من المغادرة ليومين. وفي نهايتهما هبطت في اتجاه الشرق إلى الأراضي الواطئة بمحاذاة جبال الأنديز، قاصداً سانتا كروز، القلب الاقتصادي للبلاد. في المدينة شديدة الثراء بالمقاييس البوليفية، كان يمكن شمّ التوتر في الهواء، بين الأقلية البيضاء المهيمنة على الاقتصاد (وعلى السياسة أيضاً حتى وقت ليس بالبعيد)، والغالبية الكاسحة من السكان الأصليين. كان لي أصدقاء في سانتا كروز، تعرفت عليهم قبلها بعام في مدريد، ولم ألاحظ حينها أنهم بِيض، وبيض جداً أيضا، بوليفيون من أصول سويدية وسويسرية، وبعضهم من أصول تعود إلى سوريا وفلسطين (وهؤلاء كانوا الأكثر ثراءً في الحقيقة). كان الأمر مربكاً في البداية، كل شيء مقسم على خطوط اللون أو الأصل الإثني، ولم يكن تصنيفي سهلاً. من حيث اللون، كنت أنتمى لدائرة اجتماعية مختلفة، أدنى بالتأكيد، لكن حقيقة أنني قادم من لندن وأتحدث الإنكليزية منحتني وضعاً استثنائياً، وإن لم يكن مريحاً دائماً.

في الليلة الثانية، بدأ بعضهم في الشكوى من سكان الغرب، وبقليل من الجهد فهمت أنها صيغة عنصرية مخففة للتشكي من السكان الأصليين. فمنذ تولى موراليس الحكم (أول رئيس من السكان الأصليين في تاريخ البلاد) "تجرّأوا كثيراً"، وبدأت الأمور تفلت من السيطرة. لم يشرح لي أحد ما الذي أفلت تحديداً، ولم ألحّ في السؤال، بدت المدينة وكأنها تطفو على حقل ألغام، نظرات التحدي أو الخوف المتبادلة في الشوارع، والاحتجاجات التي لا تتوقف على بوابات المباني الحكومية، مع أصوات الرصاص الزائف الذي يطلقه المحتجون من بنادق تقليدية تصدر صوتاً عنيفاً والكثير من الدخان قوي الرائحة. غادرت بشعور ثقيل بأن الأمور في سبيلها للانفجار.

قبل عام، قاد انقلاب الأجهزة الأمنية والجيش، على الرئيس إيفو موراليس، إلى سلسلة من الاضطرابات العنيفة، وضعت البلاد على حافة الحرب الأهلية. الفساد الذي شاب إدارة إيفو (كما يدعونه باسمه الأول فقط)، وتغييره للدستور لرفع الحد عن عدد الفترات الرئاسية، والانقسامات داخل حزب "الحركة من أجل الاشتراكية" نفسه، كلها عوامل سهّلت عملية الانقلاب، لكن الصعود اليميني في واشنطن، وعاصمة الجار البرازيلي الكبير، كان أيضاً إلهاماً لصنّاعه. لعبت الحركة الإنجليكانية في بوليفيا، المرتبطة بمثيلتها في الولايات المتحدة، دوراً فعالاً في دعم الانقلاب وقادت الخطاب المبرر للعنف ضد السكان الأصليين. جاءت بوليفيا بعد فوز بولسونارو في البرازيل، كعلامة على تراجع صادم لليسار في أميركا اللاتينية، بل وارتداد بعض دول القارة إلى يمينية شبه عسكرية، في تذكير بديكتاتوريات السبعينات.

لكن، يوم الأحد الماضي، جاءت الأخبار السعيدة من لاباز، أعلن حزب "الحركة من أجل الاشتراكية" فوزاً في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى لمرشحه، لويس آرسي، خليفة موراليس في قيادته. لم تعلن النتيجة الرسمية بعد، ويخشى البعض أنها تأخرت أطول من اللازم. في كل الأحوال، لا تنتظر الحزب اليساري العائد للسلطة بعد عام واحد، مهمة سهلة. فالكراهيات التي عمّقتها شهور الانقلاب يصعب نسيانها، الوضع الاقتصادي في حالة شديدة التردي بسبب الوباء وتهاوي أسعار الغاز وحالة الاضطراب السياسي، بالإضافة إلى أزمة بيئية عميقة خلّفتها سياسات إحراق الغابات المتعمدة. تظل الأخبار واعدة مع هذا، وقف المدّ اليميني قصير العمر في أميركا اللاتينية، وقبل أسابيع من خسارة تبدو متوقعة لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، والأهم أن احتمالات عنف أهلي واسع لا تبدو واردة بالقدر نفسه، كما كانت قبل أسابيع قليلة مضت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها