الجمعة 2020/10/02

آخر تحديث: 10:22 (بيروت)

كي يتجنب لبنان قطار التطبيع

الجمعة 2020/10/02
كي يتجنب لبنان قطار التطبيع
الحدود اللبنانية الاسرائيلية Getty©
increase حجم الخط decrease
بالصدفة فقط، نجا لبنان من أزمة سياسية محرجة، عندما تجنب الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ربما لمعاناتهما من جائحة كورونا،  إستثمار الاعلان الرسمي الذي صدر في كل من بيروت والقدس المحتلة وواشنطن،عن الاتفاق الثلاثي على إطار للتفاوض على رسم الحدود البرية والبحرية اللبنانية الاسرائيلية.

كان يمكن لترامب ونتنياهو، بسهولة، ان يهللا للإعلان ويعتبرانه إنجازاً دبلوماسياً جديداً يضاف الى رصيدهما الحافل، ويكشفا أن لبنان هو الدولة العربية الثالثة ، بعد الامارات والبحرين، والاولى من الدول الخمس او الست او السبع التي تستعد لركوب قطار التطبيع مع إسرائيل، والتي كان موعدها مقرراً بين لحظة وأخرى. لكن لحسن الحظ، إكتفت القدس المحتلة وواشنطن ببيان رسمي هادىء عن وزارة الخارجية، يرحب بالإتفاق الثلاثي ويدرجه ك"خطوة في الاتجاه الصحيح، نحو مصلحة الشعبين اللبناني والاسرائيلي بالأمن والازدهار".. من دون الاشارة طبعا الى أنه يمكن ان يكون مقدمة مرجوة من قبلهما للتفاوض على معاهدة سلام وتطبيع.

والحال أن لبنان لم يصنف في خانة الدول الذاهبة نحو التطبيع، وإن كان الاتفاق المفاجىء ترك هذا الانطباع الخطر، او على الاقل طرَح هذا السؤال الخبيث. لعل التوقيت هو المحرض على ربط ذلك الاتفاق بحملة التطبيع التي يقودها ترامب ونتنياهو، في ذروة تحدياتهما الانتخابية ومتاعبهما السياسية، وفي خضم حرب شعواء يخوضانها على قواعد وشروط السلام العادل والشامل وأهمها تسوية القضية الفلسطينية وفق حل الدولتين.

وقد يكون تولي الرئيس نبيه بري شخصيا، بدلا من أحد مساعديه أو مستشاريه، الاعلان عن الاتفاق، بصفته مكسباً سياسياً لبنانياً، وهو ليس كذلك بالضرورة، لا سيما في الظرف الراهن، هو ما أسهم في تضخيم حجم الاتفاق، وفي زيادة أهمية المفاوضات المرتقبة، والتي سبقتها مفاوضات تمهيدية ثلاثية غير مباشرة، إمتدت على مدى الاعوام العشرة الماضية.. وأسفرت في نهاية المطاف عن وقوع لبنان مبدئياً في مكمن التفاوض المباشر مع العدو الاسرائيلي، ومن أجل الدفاع عن حقوق لبنانية إفتراضية، أو على الأغلب نظرية.

قصة "إبريق الزيت" التي كانت وستظل، بالاسم والشكل والمحتوى، تختصر بدقة شديدة حكاية إستكشاف النفط والغاز في مياه البحر المتوسط، لا سيما قبالة الشواطىء اللبنانية، تلامس هذه المرة حد النهاية المحزنة. النفط والغاز موجودان فعلا في قعر البحر، لكن ليس بكميات مجدية تجارياً، لا اليوم ولا غدا حتى ولو عاودت اسعار المشتقات النفطية الارتفاع. وهو ما ثبت بالفعل في عمليات الحفر الاخيرة في البلوك الرابع قبالة بلدة البترون العونية.. وهو على الارجح، حسب الخبراء، ما سيثبت في بقية عمليات الحفر في البلوكات التسعة الباقية، خصوصا البلوك التاسع والعشر المقابلين لمناطق الثنائي الشيعي في الجنوب، اللذين يمكن ان تكون إسرائيل عملياً قد بدأت "الشفط" منهما، منذ نهاية العام الماضي.

عندها يكون التفاوض مع العدو الاسرائيلي، بلا عنوان وبلا مضمون، نفطي طبعاً. وهذا بالتحديد كان ولا يزال الهدف الاميركي والاسرائيلي من المماطلة عشر سنوات قبل الموافقة على طلب لبنان الجلوس الى طاولة مفاوضات مباشرة، تعقد في الناقورة، تحت علم الامم المتحدة، وتحت رعاية الولايات المتحدة. المؤكد ان الاميركيين والاسرائيليين تحققوا في تلك الفترة من أن لبنان ليس له مكامن ولا آبار صالحة، ويمكن ان يقتصر الامر على حقوق صيد السمك في البلوكين التاسع والعاشر.

حتى ولو كان هناك نفطٌ وغازٌ في تلك الزاوية من "إبريق الزيت"، فان الاتفاق على الجلوس الى طاولة التفاوض مع تلك الادارة الاميركية بالتحديد، ومع تلك الحكومة الاسرائيلية بالذات، لا يمكن ان يُعتبر، بأي حال من الاحوال إنجازاً لبنانياً. كان يمكن ، بل كان يجب تأجيل موعد  التنقيب عن تلك "الثروة" النفطية المفترضة، والاحتفاظ بها للاجيال القادمة،  واللجؤ بدلاً من ذلك الى جميع المؤسسات الدولية التي يمكن ان ترسم وتحفظ خرائط  الحدود البحرية اللبنانية، كما يراها لبنان، بإنتظار اللحظة السياسية المناسبة للتحكيم والترسيم النهائي.

لم يعد بالامكان التراجع عن ذلك الاتفاق الثلاثي، لكنه ما زال بمقدور لبنان أن يراوغ في فتح قاعة التفاوض في الناقورة، وأن يهرب.. لا سيما وأن البر اللبناني خاصة، ليس جاهزاً ولا مؤهلاً، لخوض مثل هذه المخاطرة التي يمكن ان تضيع على اللبنانيين ما تبقى لهم من ثروة سمكية! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها