الأربعاء 2020/01/08

آخر تحديث: 07:10 (بيروت)

تركيا:توقيت خاطىء للاغتيال

الأربعاء 2020/01/08
تركيا:توقيت خاطىء للاغتيال
© Getty
increase حجم الخط decrease
لم تكن الإدارة التركية يوماً من كبار المعجبين بقاسم سليماني، وفي الواقع، كان لدى أنقرة أسباب كثيرة لعدم الإعجاب به، بما في ذلك الوضع في سوريا، لكنها لا تزال غير راضية عن اغتياله.
المسؤولون الأتراك المشغولون بالتحضيرات لإرسال قوات إلى ليبيا في أسرع وقت ممكن، وبقضايا داخلية ملحة أخرى لم يدينوا الاغتيال. لقد قاموا ببعض المكالمات مع طهران، لكن البيانات حول هذه المكالمات كُتبت بعناية فائقة ولم تحتوِ على كلمة "تعزية". 
لم تكن المكالمات الهاتفية الصادرة من أنقرة بعد الاغتيال مقتصرة على طهران. كانت بغداد وباريس وواشنطن وموسكو وبرلين على الخط أيضاً. كانت رسالة أنقرة هي حثّ جميع الأطراف ذات الصلة على "التصرف بضبط النفس وتقدير، لتجنب الخطوات الأحادية الجانب". هذه الرغبة ليست مجاملة؛ انها في حاجة ماسة لها.
نظرًا لسياستها في سوريا، تحولت أنقرة إلى رجل أعمال موهوب: فهي تسعى إلى تحقيق توازن سياسي دقيق للغاية بين روسيا والولايات المتحدة، وهذه ليست مهمة سهلة، كما أن اغتيال سليماني يعني ريحاً قوية من عدم الاستقرار ستجعل من لعب تركيا على الحبال أصعب.
يتقاسم الأتراك والإيرانيون واحدة من أقدم حدود العالم التي تم رسمها في عام 1639. ومنذ ذلك الحين لم يتخلوا عن التنافس مع بعضهم البعض، ولكنهم كانوا حريصين على عدم الدوس على أقدام بعضهم البعض، على الأقل ليس بشكل متكرر. على سبيل المثال، بعد الثورة الإيرانية، على الرغم من أن طهران حاولت تصدير ثورتها إلى تركيا، إلا أن أنقرة كقرار استراتيجي لم تسمح لمعارضي الجمهورية الإسلامية بإنشاء مقر في تركيا. خلال الحرب العراقية الإيرانية، كانت أنقرة محايدة. عندما كانت القضية النووية تتصاعد، أخذت أنقرة الجانب الإيراني.
حسناً، على الرغم من أن الدولتين كانتا تواجهان مشكلة المنظمات الانفصالية الكردية، إلا أن طهران لم تتردد في دعم حزب العمال الكردستاني، وهي منظمة محظورة في تركيا، وحاولت أنقرة إخراج سوريا من ظل إيران وحاولت التوسط بين سوريا وإسرائيل في عام 2008، ذلك ليس منذ وقت طويل.
ولكن بعد قرار تركيا أولاً تعيين نفسها في دور مرشد الانتفاضات العربية، وبعد ذلك كواحدة من أقوى مؤيدي المعارضة السورية، اتخذت أنقرة وطهران جانبين مختلفين. يلعب سليماني دوراً كبيراً في هزيمة المعارضة السورية، ولكن خارج سوريا حاولت أنقرة وطهران الحفاظ على العلاقات.
ومع ذلك، فإن العاصفة الناجمة عن الاغتيال قد تضيف ضغطاً إضافياً على أنقرة. بعد الانتقام الحتمي لإيران، قد تجبر الولايات المتحدة تركيا على الوقوف إلى جانبها، مثلما فعلت مؤخراً بمنع أنقرة من شراء النفط من إيران، رغم أن ثلث النفط التركي كان في عام 2018 يأتي من هناك. في الوقت الذي تمر فيه العلاقات بين أنقرة وواشنطن بأسوأ فتراتها في تاريخها، ليس من الواضح ما إذا كانت أنقرة ستكون قادرة على مقاومة الضغوط الأميركية للتعاون ضد إيران.
لن يكون من الخطأ الاعتقاد بأن منصة الانتقام لإيران ستكون العراق وسوريا، ومرة أخرى لن يكون من الخطأ الاعتقاد بأن وكيل الولايات المتحدة ضد إيران ستكون وحدات حماية الشعب الكردية. ستزيد واشنطن من دعمها للوحدات الكردية ومثل هذه الخطوة قد تدفع تركيا أكثر نحو المعسكر الإيراني الروسي. ومع ذلك، سيكون هذا موقفاً صعباً للغاية بالنسبة لأنقرة، خاصة في دورها المؤيد المعارضة السورية.
من المؤكد أن أحد ضحايا العاصفة التي نتجت عن الاغتيال سيكون العراق الذي يعد الطريق التجاري الوحيد لتركيا إلى العالم العربي. أنقرة، التي يتعين عليها التعامل مع الظروف الاقتصادية القاسية، لا يمكنها أن تخسر هذا الطريق. وبالمثل، فإن إيران هي بوابة آسيا الوسطى، وهي وجهة مهمة أخرى لتركيا.
إضافة إلى ذلك، ستخلق هذه العاصفة موجات أخرى من اللاجئين نحو تركيا التي تواجه صعوبات خطيرة في التعامل مع اللاجئين الحاليين بالفعل في البلاد.
حسناً، لفترة قصيرة، لمساعدة أنقرة في اختيار جانبها، يمكن تقديم حوافز مغرية من كلا الجانبين، لكن مع تصاعد الموقف، من المحتمل أن تواجه أنقرة توترات أكثر من الحوافز.
في ظل هذه الظروف، فإن أفضل طريقة لتركيا هي فعل كل ما في وسعها لتهدئة الموقف واستخدام الأساليب الدبلوماسية أكثر من أي وقت مضى ، لكن ليس من السهل القيام بذلك، خاصة إذا اعتبرنا أنه بينما بدأت عملية الاغتيال، كانت تركيا قد بدأت بإرسال قوات إلى ليبيا، وهي ليست خطوة دبلوماسية على الإطلاق.
نعم، لم يكن سليماني صديقاً لتركيا، لكن مقتله جاء في وقت غير مناسب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها