الجمعة 2020/01/31

آخر تحديث: 06:46 (بيروت)

واشنطن:الحكومة تحت الاختبار

الجمعة 2020/01/31
واشنطن:الحكومة تحت الاختبار
increase حجم الخط decrease
تواصل الإدارة الأميركية سياستها المزدوجة حيال لبنان: المزيد من العقوبات، والاستمرار في دعم مؤسسات الدولة، ولو بتردد كما حصل مع المساعدات العسكرية التي تأجلت قبل شهور. إلا أن هذه السياسة ليست ثابتة، بل تعتريها متغيرات كثيرة مثل القرارات المتسرعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأيضاً الرد على التصعيد الإيراني.

من المتغيرات أن جذر السياسة الأميركية يخضع للتجاذب الداخلي. لا يخفى كثيراً في واشنطن الجدل الدائر في الخارجية الأميركية حيال الملف اللبناني، بين الداعين لمزيد من التشدد مع السلطة، وإلى اتساع دائرة العقوبات، من جهة، وبين الحذرين حيال المساس بتوازنات البلاد، من جهة ثانية. أصحاب الرأي الثاني هم الدبلوماسيون التقليديون في الخارجية، ممن لهم باع طويل في التعامل مع ملفات المنطقة، في إطار استراتيجية طويلة الأمد ترسو على دعم الدولة واحتواء نفوذ إيران من خلال الحلفاء وبناء المؤسسات.

لكن هذا الرأي إلى انحسار، مع حظوة مؤدلجي الإدارة على اليمين الأميركي، وتقدم مواجهة إيران، أو "العدسة الإيرانية" في التعاطي مع الملف اللبناني، على غيرها من الأولويات في السياسة الخارجية. يخف الاهتمام الأميركي بدعم الإستقرار، في مقابل مراكمة العقوبات، وهي قرارات مصدرها واشنطن، ولا تُستشار فيها سفارة أو خبراء السياسة اللبنانية في المؤسسات الأميركية.

وهناك أيضاً عامل التسرع أو التهور في اتخاذ القرار على المستوى الرئاسي. من كان يتوقع التصعيد الأخير مع الجانب الايراني؟ كان الاعتقاد السائد هو أن الرئيس دونالد ترامب لن يخوض مغامرات قبل شهور من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. فاجأت الضربة الكثيرين كونها خطوة تصعيدية خارج سياق سياسة الادارة الحالية. غياب الاستقرار في الادارة نفسها، يزيد من هذا التهور. خلال 3 سنوات فقط من رئاسة ترامب، شهدت الإدارة تبدلات سريعة في مواقع حساسة على ارتباط بصناعة السياسة الخارجية، مثل مستشار الأمن القومي (4 مستشارين خلال 3 سنوات) ووزير الخارجية (اثنان) والدفاع (اثنان). من الصعب وضع استراتيجيات في ظل هذا التقلب في المواقع الحساسة والأزمات الداخلية المتواصلة.

لكن وعلى الجانب الآخر، يُحاول "حزب الله" تحييد الساحة اللبنانية، ولو مرحلياً على الأقل، إذ يرغب في معالجة الأزمة الاقتصادية. بذل التنظيم جهداً ظاهراً في سبيل توفير حكومة مقبولة للخارج، وقادرة على جذب المساعدات، لذا خرج منها جبران باسيل ودخل فيها وزير خارجية مقبول نسبياً. ولهذا السبب أيضاً، لم يُشارك عضو بالحزب في الحكومة، للمرة الأولى منذ دخوله معترك العمل الوزاري عام 2005. أليس غريباً أن تُشكل مثل هذه الحكومة، وبعدد غير صغير من حملة الجنسية الأميركية، وبعد أيام على اغتيال قائد فرقة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني؟

هناك محاولة صريحة لتحييد لبنان قدر الامكان عن التصعيد المرتقب اقليمياً. الأمين العام للحزب حسن نصر الله يُركز على العراق في خطاباته بعد الاغتيال، وهناك ما يؤشر إلى دور إضافي للتنظيم هناك، سيما أن نعيم قاسم نائب الأمين العام تحدث مطلع الشهر عن "مسؤوليات جديدة" يُرتبها رحيل سليماني على "حزب الله".

لكن تحييد لبنان كساحة ليس جديداً. التنظيم كان عمل على تحييد لبنان كساحة أمنية أو عسكرية عن المواجهات في سوريا. وحقيقة أن لديه مسؤوليات جديدة، تمنحه حرية حركة في محوره، بما قد يتيح تحييد لبنان والارتقاء به من مرتبة "الساحة" (لتصفية الحسابات وتعزيز النفوذ) الى "قاعدة" للتلاعب بساحات أخرى والعمل فيها.

يبقى السؤال مرتبطاً بالتعاطي الأميركي مع هذه الحكومة. يشار الى أن السفيرة اليزابيث ريتشاردز ستزور رئيس الوزراء حسان دياب بعد نيل حكومته الثقة. وحقيقة أنها انتظرت الثقة، على عكس نظرائها الأوروبيين الذين زاروه قبلها، تدل على أن واشنطن ستتعامل مع الحكومة "بالقطعة"، بانتظار الإصلاحات والأداء السياسي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها