الخميس 2020/01/30

آخر تحديث: 20:02 (بيروت)

حكومة تؤكد خيار الثورة

الخميس 2020/01/30
حكومة تؤكد خيار الثورة
المدن©
increase حجم الخط decrease
مشكلة الحكومة الجديدة هي الثقة شبه المعدومة بينها وبين المجتمع اللبناني. فظروف تشكيلها التي جاءت بعد سجالات معيبة بين قوى السلطة وتسويات مهينة بينها وتجاهل كامل للحراك الشعبي وإذعان كامل من الرئيس المكلف لإملاءاتها، انتهت بتركيبة حكومية في غاية الرداءة. 

لن نتوقع من هذه الحكومة اختراقات فعلية في إخراج البلاد من أزمتها الخانقة. فالقوى التي عينت حسان دياب وحكومته، لن تتخلى عن هوسها الهذياني بالسلطة ولو فوق أشلاء وطن ميت أو أجساد شعب أضناها الجوع وأعياها الذل.  ولن تترك له حيزاً معقولاً لتنفيذ خطة إنقاذ، لأنها بتشكيل حكومة وفق شروطها وتحكمها الوثيق بأدق تفاصيل عملها، تكون قد ضمنت لنفسها ومعها جميع شبكات الفساد في لبنان الحصانة التامة من المساءلة والمحاسبة، وسدت منافذ الثقة الدولية بأن لبنان وضع على خط الإصلاحيات الجدية لتقديم المساعدات المالية له.  هذا فضلا عن خلق ريبة عربية-خليجية من هكذا حكومة تحول دون رغبتها لمساعدة لبنان في مأزقه مثلما كان يحصل في السابق.  

نتفهم لو أن حسان دياب صارح اللبنانيين بأن ما حصل هو أحسن الممكن، ولا يمكن الذهاب في الظرف الراهن أبعد من ذلك. أي توقعنا منه الشفافية والصراحة التي قد تشكل مدخلاً لبناء متدرج للثقة بين الحكومة الجديدة والحشود الغاضبة.  لكن أن يطل علينا في أول كلمة له، كاسراً صمته الغامض، متوجهاً إلى اللبنانيين في أول خطاب عام، يتلو علينا البيان رقم واحد للثورة معلناً تحقيق مطالبها، فهذا لعمري في غاية الإزدراء والاستخفاف والانتقاص من شعب في غاية الفطنة والإباء والكرامة، وفي صلابته المعهودة بالتعالي على آلامه رغم تورمها وتجبره على مآسيه رغم اشتدادها.

كانت إطلالة حسان دياب الأولى إطلالة الخائف المرتبك، متهيباً من التواصل الصريح والشفاف والعفوي مع اللبنانيين، متمترساً خلف ورقة كُتبت له على الارجح، وعيناه مسمرتان في سطورها، كأنه يخاف أن يفضح الاحتكاك البصري معه خداع عباراته المدونة ، وأن يفشي ارتجاله كارثية التكوين الحكومي الجديد.

قرأ دياب عبارات ركيكة وخطاب خال من أية فكرة تحمل مقترحاً جدياً بالتصدي لأزمات الواقع اللبناني المتضخمة.  كأنه خطاب موجه إلى أناس افتراضيين غير حقيقيين يعيشون أمكنة وهمية وظروفاً متخيلة. خطاب لا يليق بأن يوجه إلى أي لبناني، لما يولده فيهم من انطباع بالاستغباء وشعور بالإهانة. خطاب يحاول حجب مسار الأحداث الفعلية وحقائق الأشياء الوضحة والجلية، كمن يريد حجب ضوء الشمس عن العالم بإصبعه النحيل.  اعتقدَ دياب أن حبر بضع جُمَلٍ سقيمة كفيلٌ بغسل عار خيانة وجع اللبنانيين وصرخة الضمير النقية التي أطلقها شباب وكهول الحراك، وأن بضع استعارات بيانية مبتذلة تُكفِّر عن خطيئة التغطية على جريمة اقتسام وطن في حال احتضاره. 


حتى الآن، لم تقدم هذه الحكومة أي مقترح عملي أو فكرة ذات جدوى للخروج من مأساة الواقع الاقتصادي وكارثية الوضع المعيشي.  تطالبُ هذه الحكومة اللبنانيين بإعطائها الوقت اللازم. لكن كيف يمكن ذلك وسياقات تشكيلها وثَّقت استحكامات قوى السلطة الحالية التي هي مصدر الأزمة وسبب الكارثة؟  كيف يمكن ذلك، ولم نلمس خطة أو رؤية أو حتى تصريحاً أو نشهد أداءً مختلفاً من الحكومة مجتمعة أو من كل واحد من أعضائها، تفصح عن انطلاق فعلي لمهمة الإنقاذ؟ ما عايناه وعانينا منه حتى الآن، هو انهماك مبتذل للمستوزرين الجدد بِزَي وشكلِ حضورهم أمام عدسات التصوير، وخيلاء وتشاوف يفضح غبطتهم بمنصب الوزير وانتشاءهم بلقب المعالي.

كيف يمكن للوقت أن يمنح هذه الحكومة الفرصة، ونعلم جميعاً أن الغرض من تشكيلها لم يكن لأغراض إنقاذية، بقدر ما هو تغيير في طريقة التحكم والسيطرة للإلتفاف على تبعات الأزمة، ما يفصح عن تحولات خطيرة في الحياة السياسية في لبنان، مفادها: خروج لبنان من تعدديته وتنوعه الداخليين وصيرورته رهين مرجعية واحدة ووصاية حزبية واحدة، وأن لبنان خرج من حياده الدولي معلناً انضمامه الرسمي إلى محور "الممانعة"، واضعاً لبنان طرفاً في صراع إقليمي يصطدم مع شبكة مصالحه الاقتصادية  ويتناقض مع جوهر كينونته الثقافية والسياسية. 

مع الحكومة الجديدة، لم يعد هنالك حاجة للإصرار على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، أو إلى الثلث المعطل. فحزب الله نجح في اعتماد نموذج حكم الحزب الواحد، غير البعيد بنيوياً ووظيفياً عن نموذج ولاية الفقيه الذي يمكن استنساخ منطق سلطته من دون التقيد بأيديولوجيته.  هو نموذج تتم فيه صناعة القرار الفعلي خارج مؤسسات الدولة الرسمية، وتكون الحكومة مجرد واجهة تجميلية له، لا يعود لهوية وشخص وخلفية وكفاءة وزرائها أية أهمية.    

مع الحكومة الجديدة، حسمت قوى السلطة الفعلية خياراتها في تجاهل مطالب الحراك ورفع مستوى القمع إلى مستويات غير مسبوقة، واستحداث قواعد سلطة جديدة أكثر خبثاً وأوسع انتشاراً وأشد تحكماً. هو قرار يؤكد صوابية خيار الثورة ورمى الكرة في ملعبها أيضاً.  فهل سيتوقف الثوار عن مطالبة قوى السلطة بما يجب عليها فعله، وأن يتصرفوا كثوار ويفكروا جدياً وملياً بما عليهم فعله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها