الإثنين 2020/01/27

آخر تحديث: 14:51 (بيروت)

راقبوا وزير الخارجية الجديد

الإثنين 2020/01/27
راقبوا وزير الخارجية الجديد
increase حجم الخط decrease
المهمة الأساسية لأي حكومة لبنانية هي الحصول على ثقة الخارج، بهدف الحصول على مساعدات واستثمارات، ولو بالحد الأدنى، من أجل التخفيف من عبء الأزمة الاقتصادية والمالية.

صحيح أن هناك عقبات هائلة أمام هذه الحكومة، سيما لجهة الانتماءات والميول الحزبية لبعض أعضائها الأساسيين، وبالتالي عدم قدرتها على إقرار اصلاحات ادارية ووقف منابع الهدر والفساد. لكن يبدو أن هناك جهداً بالحد الأدنى باتجاه بعض التغيير السياسي، وهذا يظهر جلياً في وزارة الخارجية.

أولاً، في الشكل، من انجازات هذه التشكيلة الحكومية، أنها جاءت خالية من وزير الخارجية السابق جبران باسيل. تجاوز عقبة هذا الاسم الإشكالي، داخلياً وخارجياً، انجاز أساسي. هو إنجاز لما يُمثله باسيل على المستوى السياسي. الرجل نموذج مثالي للواسطة التي تنخر مجتمعاتنا، إذ صعد الى عالم السياسة والمسؤولية من بوابة مصاهرته رئيس الجمهورية ميشال عون. وحولته صلة القرابة إلى زعيم لتيار سياسي بعد القضاء على أي منافس أو معارض فيه. وهذا الفرض كان واضحاً في انتخابات زعامة التيار حيث اضطر ميشال عون الى ازاحة المرشحين الآخرين لرئاسة التيار، من أجل ضمان فوز صهره بالتزكية لأن أي منافسة كانت ستودي به. ومن ثم تولى باسيل مهمة تصفية التنظيم من خصومه أو أصحاب الرأي الآخر. الرجل فرض نفسه كعبء ثقيل، ليس فقط على أعضاء "التيار الوطني الحر" حينها (قبل التصفيات)، بل أيضاً على عالم السياسة والإعلام في لبنان، وعلى العالم الذي أظهر في "دافوس" مدى احترامه لهذه الشخصية!

هذا الإنجاز يُحتسب لهذه التشكيلة الحكومية. الإنجاز الثاني في الشكل كان غياب أعضاء "حزب الله" عنها، إذ قبل التنظيم بتمثيله بقريب منه، على طريقة وزير الصحة السابق جميل جبق. وهذا شأن ليس بالسهل إنكاره. من هنا جاء الموقف الأميركي الملتبس حيال الحكومة، إذ لم يُصدر ديفيد شانكر مساعد وزير الخارجية الأميركي حكماً نهائياً حيالها، بل أكد أن بلاده "ستراقب عن كثب مدى التزام الحكومة الجديدة باجتثاث الفساد وقيادة البلاد الى خارج الأزمة المالية".

المصادر الأميركية تنفي الدور المزعوم لواشنطن في تشكيل هذه الحكومة. ليس صحيحاً أن الإدارة الأميركية سمت شخصيات فيها. لكن في المقابل، من الواضح أن هناك مجهوداً محدداً من جانب "حزب الله" وحلفائه في تشكيل الحكومة بهذا الشكل.

لكن يبقى أن من الصعب توقع انجازات على صعيد الوزارات الخدماتية، وبخاصة أن لدى أقطاب السلطة شبكات من الفاسدين المتمكنين والمُحصنين داخل كل الدوائر. من غير الواضح مثلاً كيف ستُواجه وزيرة العدل الجديدة مسألة النفوذ السياسي في القضاء، وخصوصاً لأن التحدي أكثر تعقيداً من أن يحله تعيين جديد على رأس الوزارة.

لكن ماذا عن وزارة الخارجية؟ ناصيف حتي ليس جبران باسيل، وليس حزبياً كما يُشاع. كتب الرجل مقالاً قبل شهرين في جريدة "النهار" اللبنانية أعادت الشروق المصرية نشره، تطرق فيه إلى أزمات المنطقة، وغياب عناصر ولادة "شبكة أمان خارجية" لاستقرار لبنان. انتقد حتي في مقاله محاولة القوى السياسية المتصارعة في لبنان، "توظيف تحالفاتها الخارجية في لحظة معينة للانقضاض على مواقع الآخرين وتعزيز موقعها فى التركيبة السياسية الطائفية". نأى في مقاله عن الصراعات الداخلية والخارجية على حد سواء، وتطرق الى ضرورة التركيز على البلاد وانتشالها من الأزمة عبر تشكيل حكومة همّها حيازة ثقة الناس والمجتمع الدولي. مثل هذه الأفكار وردت أيضاً في مقال له عن اللجنة الدستورية في سوريا، وعن ضرورة توافقات داخلية وخارجية للوصول إلى حل مقبول للحرب يتضمن تنازلات من كل الأطراف.

وزير الخارجية الحالي، وعلى عكس السابق، يُفكر ويكتب، وهو دبلوماسي غير منحاز في مقالاته. وهذا "انجاز مقارنة بأداء الحقبة الماضية التي انتهت بشكل دراماتيكي مع حوار باسيل في مؤتمر "دافوس".

من المهم مراقبة أداء هذا الوزير خلال الفترة الماضية، للبناء عليها، وعلى تميزه عن باسيل الذي لم يُسلم الوزارة إلى الآن بداعي السفر، وربما أيضاً لعدم قدرته على وداع حقيبة أساء اليها كثيراً، تماماً كما فعل في الطاقة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها