الأحد 2020/01/26

آخر تحديث: 12:49 (بيروت)

لا عزاء للخارجين من الحكومة

الأحد 2020/01/26
لا عزاء للخارجين من الحكومة
increase حجم الخط decrease
للثورة الشعبية جوهر واحد، وهوامش كثيرة. مكتسبات مئة يوم، لا تعد ولا تحصى، ولا تختزل فقط في الاستمرار، ولا في التجرؤ، ولا في التجذر. ما سقط من رموز وقوى يستحق أن يوضع في رصيد خاص، وما بقي من رموز وقوى، يزيد الاختبار السياسي إثارة وتشويقاً، ويكسب حكومة حسان دياب الضحلة، بعض الاهتمام، أو بعض الوقت.  


ليس مجرد هامش بسيط في الحياة السياسية اللبنانية، ان تضطر تلك الأسماء والأحزاب إلى الإنتقال من السلطة إلى الظل، وربما أبعد، بعدما استقرت فيها لأكثر من ثلاثين عاماً، وكانت من ثوابت السلطة، وودائع الحكومات، حتى صار غيابها المؤقت بين الحين والآخر، يحسب فراغاً في الحكم وخللاً  يمس بدعة الميثاقية. هذه المرة يبدو أن خروج الرئيس سعد الحريري من الحكم، نقطة تحول حاسمة، على مستوى تلك الزعامة التي تنقلت بين الإقامة في السراي، أو خلف جدارها الشمالي الغربي. الانطباع السائد هو أن العودة إلى السراي صارت مستحيلة، أو دونها الكثير من عمليات إعادة التأهيل من نقطة الصفر، ما يمكن أن يستغرق سنوات وربما عقود.


لا يمكن أن يصنف خروج الوزير جبران باسيل من الوزارة، والبقاء خلف الكواليس، على القدر نفسه من الأهمية، لكنها خطوة مبشرة إلى الوراء، في مستقبل الرجل الأشد كرهاً في الجمهورية، الذي ضخم الرئيس ميشال عون دوره، لأنه لم يجد بديلاً منه لا في محيطه المباشر، ولا في تياره ، مع أن كفاءته السياسية محدودة، لا تؤهله للوراثة، ولا حتى للوزارة، بدليل فضيحته الأخيرة قبل أيام في دافوس، عندما تعرض للجلد على يد المذيعة الأميركية هادلي غامبل، ولم يستطع أن يقدم ردوداً مناسبة على أسئلتها المحرجة.


ولا يبتعد عن هذا السياق خروج الحزب التقدمي الاشتراكي من الحكومة للمرة الأولى منذ ثلاثين سنة أو ربما منذ سبعين سنة. ثمة إخفاق سياسي في التعاطي مع الثورة وفي تقييم الحلفاء وسلوكهم، وضع الحزب وزعامته وجمهوره في موقع مربك، وسهل إخراجه من جنة السلطة على هذا النحو. مراجعة تلك التجربة لم تبدأ بعد، لكن الدروز الذين يواجهون اليوم أزمة سياسية ومعيشية صعبة، لن يسلموا بإضطراب علاقتهم مع زعامتهم التقليدية، أو بانتقالها إلى مكان آخر.


ولا يستثنى حزب القوات اللبنانية من هذا السياق أيضاً. فالخروج من الحكم، وبرغم أنه كان قراراً ذاتياً واعياً ، لكنه لا يضمن طريق العودة، إلا بإنقلاب جذري في موازين القوى المحلية. العيش على أخطاء التيار العوني لم يعد مجدياً، ولن يفتح للحزب أفاقاً أوسع من تلك التي فتحها في انتخابات العام 2018، إلا إذا تخطى عثراته الأخيرة سواء في القانون الانتخابي، أو في موقفه السياسي خلال الثورة الذي لم يكن ينسجم مع الحضور القواتي الواسع بين الثوار.


الزعم ان مغادرة تلك الأسماء والقوى للمسرح السياسي، والبقاء في الكواليس، هي بمثابة ثورة مضادة على الثورة ، لن يخدع أحداً. لا الثورة كانت من صنع تلك القوى، ولا دليل على ان حكومة حسان دياب المفرغة يمكن أن تقود ثورة مضادة، في خلال الأشهر القليلة المقبلة التي تسبق سقوطها الحتمي في الشارع. أما الادعاء بأن دمشق وطهران إستعادتا هيمنتهما على "القرار اللبناني" ، فهو أستحضار ممل للخرافات التي كان يرددها في الماضي فريق 14 آذار لكي يخفي عجزه وفشله الدائم في "العبور إلى الدولة".


ما يقال عن أن خروج تلك القوى من السلطة، يعني تلقائياً أنها ستنتظم في جبهة معارضة موحدة، تعمل لاسترداد الحكم هو أقرب إلى الخيال. فلا العلاقات بينها تسمح بمثل هذه الفرضية، ولا الانتظارات المفروضة تتيح مجرد التفكير بها. قبل ان يستقر وضع التيار العوني على حال ودوام، وقبل ان يشفى الثنائي الشيعي من أمراضه السورية والإيرانية المستعصية، لا مجال لمعارضة، ولا لحكومة ظل.

لا يؤسف على خروج هؤلاء من السلطة. ثمة فرصة لكي تعيد تلك الرموز بناء نفسها وتنظيم وتأهيل قواعد عملها. وثمة فرصة للبنانيين لكي يختبروا العيش من دون حراس الهيكل المتهاوي، ولو في ظل حكومة خاوية، يمكن ان يتمتع الثوار بإسقاطها في أي لحظة.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها