الخميس 2020/01/02

آخر تحديث: 07:33 (بيروت)

عشرون عاماً على حكم بوتين

الخميس 2020/01/02
عشرون عاماً على حكم بوتين
increase حجم الخط decrease
مع نهاية العام 2019 ، حلت السنوية العشرون لوصول ضابط جهاز المخابرات KGB فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة الروسية في 31 كانون الآول/ديسمبر العام 1999 . في ليلة رأس السنة تلك أعلن الرئيس الروسي حينذاك بوريس يلتسين المريض والمتعب ، تخليه عن منصبه ، وتكليف رئيس الوزراء فلاديمير بوتين القيام بمهام الرئيس حتى موعد الإنتخابات الرئاسية في ربيع السنة التالية . 

أسديو سوريا يطلقون على بوتين لقب "أبو علي بوتين" ،على قول وزير الإعلام السوري الأسبق عمران الزعبي لوكالة تاس لأكثر من ثلاث سنوات مضت  ، وذلك لأن "السوريين كشعب يحبون روسيا ، ويحبون رئيسها فلاديمير بوتين ، بالطبع . ومنذ بداية الأحداث في سوريا أصبحنا نسمي رئيسكم أبو علي بوتين ، كما يسمون الرجل القوي والشجاع" . لكن التسمية هذه لم تبق حكراَ على أسديي سوريا ، بل تعممت في البيئة الرديفة للأسديين في لبنان ، ورفع العونيون صورة بوتين في تظاهرتهم المؤيدة للرئيس عون ، وجعلوا منها فزاعة هددوا بها المشاركين في الإنتفاضة اللبنانية . 

وينبغي القول أن بوتين نفسه ليس ضد وصفه "ابو علي" ، بل هو حريص على الظهور دوماً بمظهر الفتوة عاري الصدر ، الذي يمتطي صهوة الحصان ، أو يسبح مع الدلافين ، أو يغطس في مياه الثلج في عيد الغطاس . صورة الرئيس الفتوة النشط ، كانت الصورة ، التي اعتمدها بوتين لتقديم نفسه إلى الروس على خلفية صورة يلتسين، الرئيس المريض المتهالك .  وشكلت هذه الصورة مع الإنتصار في حرب الشيشان الثانية ، التي بدأها العام 1999، وأودت بمئات آلاف الضحايا وتدمير مدينة غروزني ، شكلت الركيزة التي استند اليها بوتين في بلورة صورة الرئيس الجديد لروسيا . وهو حريص حتى الآن على الظهور بالصورة تلك ، على الرغم من تقدمه في السن ، إذ لم يتوان ، قبل أيام من نهاية السنة المنصرمة ، عن المشاركة في لعبة هوكي في الساحة الحمراء ، ضمن فريقين متنافسين ، خرج فريقه منها منتصراً ، حسب موقع "rosbalt" الإخباري الروسي . 

 من جهتهم ، أصحاب السوابق اليسارية ، الذين يصرون على ممارسة فعلتهم "اليسارية" تلك  في ميادين حروب الأسد وأشباهه من سفاحي المنطقة ، يفضلون وصف بوتين "بالرفيق بوتين" ، إذ لا زالوا يقيمون على أوهامهم البلشفية ، من أن روسيا هي نصيرة الشعوب في نضالها ضد الإمبريالية . لكن بوتين يحرص على النأي بنفسه عن هذه التسمية ، ويجاهر بعدائه "للرفيق" لينين ، الذي يعتبر بأنه وضع قنبلة موقوتة في أساسات هيكل روسيا في العام 1917 ، ما لبثت أن انفجرت في العام 1991 ، وأطاحت بالإمبراطورية السوفياتية . ولا يفوت بوتين فرصة لتكرار تقييمه العدائي هذا للينين ، بل وتعتبر صحيفة الكرملين "vz" أنه قد طور هذا التقويم في مؤتمره الصحافي السنوي الأخير في 20 من الشهر المنصرم ، إذ كتبت تقول بأن "بوتين لم يسامح لينين على انهيار روسيا". وقالت بأن بناء الدولة الروسية لا ينبغي أن يكرر التجربة السوفياتية السلبية ، بأن يصبح رهينة الحزب والتقسيم القومي الإقليمي . وأشارت إلى أن الرئيس تذكر لينين مجدداً في التقويم الصارم للأخطاء ، التي ارتكبت لدى تأسيس الإتحاد السوفياتي . 

في مقابل عدائه وانتقاده المتكرر للينين ، لا يخفي بوتين إعجابه بستالين ، الذي وصفه بأنه "المينجر الناجح" (successful manager). ولم تتوانَ صحيفة الكرملين عينها ، وبمناسبة الذكرى 140 لميلاد ستالين ، في أن تكتب في 21 من الشهر المنصرم مقالة بعنوان "شيطنة ستالين وتأليهه على القدر عينه من الخطورة" . وقالت الصحيفة بانه من المحتمل أن ينفرد الشيوعيون وحدهم بإقامة فعاليات بمناسبة يوبيل القائد ، في حين سوف يستغل الليبراليون المناسبة ليذكرون مرة أخرى ، بأنه من غير اللائق تكريم ذكرى الطاغية ، الذي لم يكن أفضل من هتلر . لكن الشعب ، وبعيداً عن هذين الموقفين ، حدد موقفه من ستالين منذ زمن بعيد ، إذ ينبغي إيفاء الرجل حقه ، ووضعه في مكانه المناسب في تاريخ روسيا ، دون شيطنته أن تأليهه ، حسب الصحيفة . 

في العودة إلى عشرينية بوتين ، توقفت معظم المواقع والصحف الروسية عند هذه المناسبة في آب/أغسطس الماضي ، حين عين يلتسين رئيس جهاز المخابرات FSB (KGB سابقاً) فلاديمر بوتين رئيساً لمجلس الوزراء ، قبل أن يعهد إليه بمنصب القائم بأعمال الرئيس في 31 كانون الأول/ديسمبر من العام 1999 نفسه . وعلى غير عادة المعارضة الروسية الليبرالية ، قام أحد رموزها المخضرمين ، زعيم الحزب الديموقراطي الروسي الموحد (يابلوكا) غريغوري يافلنسكي ،  بنشر جردة حساب مطولة في هذه المناسبة في الصحيفة المعارضة "Novaya" بعنوان "نضوج الإستبداد" . وبعد أن يستعرض الرجل ما قام به بوتين في السياسية والإقتصاد والإيكولوجيا وحقل التكنولوجيا، يخلص إلى الإستنتاج بأن لا شيئ تحقق في جميع هذه المجالات ، ويقول بأنه قد أقيم في روسيا خلال هذه الفترة نظام إستبداد كامل التنظيم ، مع مساندة داخلية راسخة ومخاطر خارجية متدنية . إلا أن مثل هذا النظام عاجز عن الرد على تحديات العالم المعاصر ، وتأمين تقدم البلاد والمحافظة عليها في الحقبة المقبلة ، وتلك هي النتيجة الرئيسية لعشرين سنة من حكم بوتين ، برأيه. 

من جهتها قامت وكالة نوفوستي في آخر أيام السنة المنصرمة ، بجمع آراء بعض كبار المسؤولين في عهد يلتسين ، الذين كانوا شهوداً على "القرار الصعب" باختيار يلتسين للرجل القوي بوتين ، الذي "افتتح صفجة جديدة في تاريخ روسيا المعاصر في 31 كانون الأول/ديسمبر العام 1999" . وخصصت صحيفة الكرملين في هذه المناسبة مقالة بقلم نائب رئيس تحريرها بعنوان "منذ عشرين سنة مضت عادت السلطة إلى الكرملين" ، أي كان على "الرئيس الأمل" أن يؤمم صلاحيات الدولة ، التي كانت مصادرة من قبل "النصابين الماكرين، وكان عليه أن ينتشل روسيا من الهاوية ، التي بلغتها في السنوات العشر السابقة . وترى الصحيفة أن بوتين نجح في مهمته هذه خلال رئاسته الأولى ، إذ لم يسترجع صلاحيات الرئاسة فقط ، بل وأستعاد صلاحيات مؤسسات السلطة ككل . ولم تعد روسيا مهددة باستمرار الإنهيار ، الذي كان مسلطاً عليها كالسيف في التسعينات ، وأخذت الدولة تستعيد لنفسها أدوات السيطرة على الإقتصاد ، واستيعاب كل ما يجري في البلاد ، على قولها.

وتقول الصحيفة ، أن بوتين أولى خلال كل سنوات حكمه إهتماماً كبيراً بالسياسة الخارجية ، لأن قيامة روسيا من جديد يتطلب تغيير مبدئياً بمكانة روسيا في العالم . فروسيا الضعيفة ، غير المؤثرة ، لم يكن لديها حظوظ للتطور ، وكان من الضروري ، وبأي ثمن غير عسكري ، وقف عملية إبعاد روسيا عن فضائها ما بعد السوفياتي وعودة انتشارها من جديد . وليس الأمر بسبب طموحات إمبرطورية ، بل لأن انهيار الإتحاد السوفياتي جعل روسيا تتراجع إلى القرن السادس عشر ، ولم يكن "الشركاء الغربيون" يخفون خططهم لإبعاد روسيا نهائياً عن فضائها ما بعد السوفياتي ، ليس فقط لترسيخ وضعها كدولة إقليمية ، بل كدولة معزولة ، على قولها.

وتخلص الصحيفة إلى التأكيد بأن القرم افتتح حقبة جديدة في السياسة الدولية ، وما جرى بعد ذلك من أحداث ، مثل انتخاب ترامب والبريكسيت البريطاني ، تؤكد أن العالم أخذ يعيش وفق معايير جديدة سوف ترسم صورة مستقبل العالم لعشرات السنين القادمة .

تجتذب مقالات الصحيفة عادة عشرات التعليقات عليها من قبل القراء ، لكن المقالة الراهنة اجتذبت 222 تعليقاً ، لم يأت أي منها على ذكر المقتلة السورية ودور روسيا فيها. وغلبت على أكثر التعليقات لهجة ساخرة ، بل وعدائية بارزة ، إذ بدأها أحدهم بالقول "20 سنة مضت على عصابات بتربورغ " في إشارة إلى مسقط رأس بوتين ونشأته . وتكرر مرات عديدة تعليق يقول "سلطة غلط . بلد غلط" ، وآخر شديد العدائية يقول "بوتين عار روسيا . ما لم يفعله هتلر ، فعله بوتين" . 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها