عشرون عاماً على حكم بوتين

بسام مقدادالخميس 2020/01/02
Борис Ельцин и Владимир Путин, 1999 год.jpg
حجم الخط
مشاركة عبر
مع نهاية العام 2019 ، حلت السنوية العشرون لوصول ضابط جهاز المخابرات KGB فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة الروسية في 31 كانون الآول/ديسمبر العام 1999 . في ليلة رأس السنة تلك أعلن الرئيس الروسي حينذاك بوريس يلتسين المريض والمتعب ، تخليه عن منصبه ، وتكليف رئيس الوزراء فلاديمير بوتين القيام بمهام الرئيس حتى موعد الإنتخابات الرئاسية في ربيع السنة التالية . 

أسديو سوريا يطلقون على بوتين لقب "أبو علي بوتين" ،على قول وزير الإعلام السوري الأسبق عمران الزعبي لوكالة تاس لأكثر من ثلاث سنوات مضت  ، وذلك لأن "السوريين كشعب يحبون روسيا ، ويحبون رئيسها فلاديمير بوتين ، بالطبع . ومنذ بداية الأحداث في سوريا أصبحنا نسمي رئيسكم أبو علي بوتين ، كما يسمون الرجل القوي والشجاع" . لكن التسمية هذه لم تبق حكراَ على أسديي سوريا ، بل تعممت في البيئة الرديفة للأسديين في لبنان ، ورفع العونيون صورة بوتين في تظاهرتهم المؤيدة للرئيس عون ، وجعلوا منها فزاعة هددوا بها المشاركين في الإنتفاضة اللبنانية . 

وينبغي القول أن بوتين نفسه ليس ضد وصفه "ابو علي" ، بل هو حريص على الظهور دوماً بمظهر الفتوة عاري الصدر ، الذي يمتطي صهوة الحصان ، أو يسبح مع الدلافين ، أو يغطس في مياه الثلج في عيد الغطاس . صورة الرئيس الفتوة النشط ، كانت الصورة ، التي اعتمدها بوتين لتقديم نفسه إلى الروس على خلفية صورة يلتسين، الرئيس المريض المتهالك .  وشكلت هذه الصورة مع الإنتصار في حرب الشيشان الثانية ، التي بدأها العام 1999، وأودت بمئات آلاف الضحايا وتدمير مدينة غروزني ، شكلت الركيزة التي استند اليها بوتين في بلورة صورة الرئيس الجديد لروسيا . وهو حريص حتى الآن على الظهور بالصورة تلك ، على الرغم من تقدمه في السن ، إذ لم يتوان ، قبل أيام من نهاية السنة المنصرمة ، عن المشاركة في لعبة هوكي في الساحة الحمراء ، ضمن فريقين متنافسين ، خرج فريقه منها منتصراً ، حسب موقع "rosbalt" الإخباري الروسي . 

 من جهتهم ، أصحاب السوابق اليسارية ، الذين يصرون على ممارسة فعلتهم "اليسارية" تلك  في ميادين حروب الأسد وأشباهه من سفاحي المنطقة ، يفضلون وصف بوتين "بالرفيق بوتين" ، إذ لا زالوا يقيمون على أوهامهم البلشفية ، من أن روسيا هي نصيرة الشعوب في نضالها ضد الإمبريالية . لكن بوتين يحرص على النأي بنفسه عن هذه التسمية ، ويجاهر بعدائه "للرفيق" لينين ، الذي يعتبر بأنه وضع قنبلة موقوتة في أساسات هيكل روسيا في العام 1917 ، ما لبثت أن انفجرت في العام 1991 ، وأطاحت بالإمبراطورية السوفياتية . ولا يفوت بوتين فرصة لتكرار تقييمه العدائي هذا للينين ، بل وتعتبر صحيفة الكرملين "vz" أنه قد طور هذا التقويم في مؤتمره الصحافي السنوي الأخير في 20 من الشهر المنصرم ، إذ كتبت تقول بأن "بوتين لم يسامح لينين على انهيار روسيا". وقالت بأن بناء الدولة الروسية لا ينبغي أن يكرر التجربة السوفياتية السلبية ، بأن يصبح رهينة الحزب والتقسيم القومي الإقليمي . وأشارت إلى أن الرئيس تذكر لينين مجدداً في التقويم الصارم للأخطاء ، التي ارتكبت لدى تأسيس الإتحاد السوفياتي . 

في مقابل عدائه وانتقاده المتكرر للينين ، لا يخفي بوتين إعجابه بستالين ، الذي وصفه بأنه "المينجر الناجح" (successful manager). ولم تتوانَ صحيفة الكرملين عينها ، وبمناسبة الذكرى 140 لميلاد ستالين ، في أن تكتب في 21 من الشهر المنصرم مقالة بعنوان "شيطنة ستالين وتأليهه على القدر عينه من الخطورة" . وقالت الصحيفة بانه من المحتمل أن ينفرد الشيوعيون وحدهم بإقامة فعاليات بمناسبة يوبيل القائد ، في حين سوف يستغل الليبراليون المناسبة ليذكرون مرة أخرى ، بأنه من غير اللائق تكريم ذكرى الطاغية ، الذي لم يكن أفضل من هتلر . لكن الشعب ، وبعيداً عن هذين الموقفين ، حدد موقفه من ستالين منذ زمن بعيد ، إذ ينبغي إيفاء الرجل حقه ، ووضعه في مكانه المناسب في تاريخ روسيا ، دون شيطنته أن تأليهه ، حسب الصحيفة . 

في العودة إلى عشرينية بوتين ، توقفت معظم المواقع والصحف الروسية عند هذه المناسبة في آب/أغسطس الماضي ، حين عين يلتسين رئيس جهاز المخابرات FSB (KGB سابقاً) فلاديمر بوتين رئيساً لمجلس الوزراء ، قبل أن يعهد إليه بمنصب القائم بأعمال الرئيس في 31 كانون الأول/ديسمبر من العام 1999 نفسه . وعلى غير عادة المعارضة الروسية الليبرالية ، قام أحد رموزها المخضرمين ، زعيم الحزب الديموقراطي الروسي الموحد (يابلوكا) غريغوري يافلنسكي ،  بنشر جردة حساب مطولة في هذه المناسبة في الصحيفة المعارضة "Novaya" بعنوان "نضوج الإستبداد" . وبعد أن يستعرض الرجل ما قام به بوتين في السياسية والإقتصاد والإيكولوجيا وحقل التكنولوجيا، يخلص إلى الإستنتاج بأن لا شيئ تحقق في جميع هذه المجالات ، ويقول بأنه قد أقيم في روسيا خلال هذه الفترة نظام إستبداد كامل التنظيم ، مع مساندة داخلية راسخة ومخاطر خارجية متدنية . إلا أن مثل هذا النظام عاجز عن الرد على تحديات العالم المعاصر ، وتأمين تقدم البلاد والمحافظة عليها في الحقبة المقبلة ، وتلك هي النتيجة الرئيسية لعشرين سنة من حكم بوتين ، برأيه. 

من جهتها قامت وكالة نوفوستي في آخر أيام السنة المنصرمة ، بجمع آراء بعض كبار المسؤولين في عهد يلتسين ، الذين كانوا شهوداً على "القرار الصعب" باختيار يلتسين للرجل القوي بوتين ، الذي "افتتح صفجة جديدة في تاريخ روسيا المعاصر في 31 كانون الأول/ديسمبر العام 1999" . وخصصت صحيفة الكرملين في هذه المناسبة مقالة بقلم نائب رئيس تحريرها بعنوان "منذ عشرين سنة مضت عادت السلطة إلى الكرملين" ، أي كان على "الرئيس الأمل" أن يؤمم صلاحيات الدولة ، التي كانت مصادرة من قبل "النصابين الماكرين، وكان عليه أن ينتشل روسيا من الهاوية ، التي بلغتها في السنوات العشر السابقة . وترى الصحيفة أن بوتين نجح في مهمته هذه خلال رئاسته الأولى ، إذ لم يسترجع صلاحيات الرئاسة فقط ، بل وأستعاد صلاحيات مؤسسات السلطة ككل . ولم تعد روسيا مهددة باستمرار الإنهيار ، الذي كان مسلطاً عليها كالسيف في التسعينات ، وأخذت الدولة تستعيد لنفسها أدوات السيطرة على الإقتصاد ، واستيعاب كل ما يجري في البلاد ، على قولها.

وتقول الصحيفة ، أن بوتين أولى خلال كل سنوات حكمه إهتماماً كبيراً بالسياسة الخارجية ، لأن قيامة روسيا من جديد يتطلب تغيير مبدئياً بمكانة روسيا في العالم . فروسيا الضعيفة ، غير المؤثرة ، لم يكن لديها حظوظ للتطور ، وكان من الضروري ، وبأي ثمن غير عسكري ، وقف عملية إبعاد روسيا عن فضائها ما بعد السوفياتي وعودة انتشارها من جديد . وليس الأمر بسبب طموحات إمبرطورية ، بل لأن انهيار الإتحاد السوفياتي جعل روسيا تتراجع إلى القرن السادس عشر ، ولم يكن "الشركاء الغربيون" يخفون خططهم لإبعاد روسيا نهائياً عن فضائها ما بعد السوفياتي ، ليس فقط لترسيخ وضعها كدولة إقليمية ، بل كدولة معزولة ، على قولها.

وتخلص الصحيفة إلى التأكيد بأن القرم افتتح حقبة جديدة في السياسة الدولية ، وما جرى بعد ذلك من أحداث ، مثل انتخاب ترامب والبريكسيت البريطاني ، تؤكد أن العالم أخذ يعيش وفق معايير جديدة سوف ترسم صورة مستقبل العالم لعشرات السنين القادمة .

تجتذب مقالات الصحيفة عادة عشرات التعليقات عليها من قبل القراء ، لكن المقالة الراهنة اجتذبت 222 تعليقاً ، لم يأت أي منها على ذكر المقتلة السورية ودور روسيا فيها. وغلبت على أكثر التعليقات لهجة ساخرة ، بل وعدائية بارزة ، إذ بدأها أحدهم بالقول "20 سنة مضت على عصابات بتربورغ " في إشارة إلى مسقط رأس بوتين ونشأته . وتكرر مرات عديدة تعليق يقول "سلطة غلط . بلد غلط" ، وآخر شديد العدائية يقول "بوتين عار روسيا . ما لم يفعله هتلر ، فعله بوتين" . 

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث