الأحد 2019/09/22

آخر تحديث: 15:36 (بيروت)

الفيديو الذي يهز عرش مصر

الأحد 2019/09/22
الفيديو الذي يهز عرش مصر
increase حجم الخط decrease
ما يجري في مصر مؤثّر ومحيّر في آن. الحراك يناقض الموات وينفيه. لكن التغيير لا يأتي من العفوية والعشوائية، أو من الشعبوية المتمثلة في تسجيلات فيديو بثها مقاول سابق لدى الجيش، أو معارض منفي غاضب، أو معلق مبعد عن الجمهور.. تحتوي على شتائم مقذعة أكثر مما تتضمن محتوى جدياً. لكن غضب الشارع حقيقي ويحتاج كما يبدو إلى شرارة ليعبر عن نفسه متجاوزا حاجز الخوف. 

الفيديو سلاح فعال، ربما قاتل. هذا هو التطوير الابرز في الحراك الشعبي المصري الراهن، بعدما كان الفايسبوك هو الاداة التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك. موقع "يوتيوب" تحول الى منصة وقاعدة عمل رئيسية، تبث على مدار الساعة سيلاً من الفيديوهات التي تقصف نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، تفضحه، وتعريه، وتهزه بعنف لم يسبق له مثيل منذ العام 2013.

 الفيديو سلاح الغضب، وأحيانا الثأرالشخصي، لا سلاح السياسة العامة، سياسة الحزب او الهيئة أو التيار أو حتى الجماعة. وهو مثل كل ما مرئي، لا يحفر في الذاكرة ولا يصنع مخيلة، حتى ولو كان منظماً ومنسقاً ومدروساً، وهو ما لا تظهره الحالة المصرية الراهنة. ثمة حاجة الى نص مكتوب، يختصر الى شعار وهتاف، فيصبح نداء شعبيا، يترجم الشعار الذي إنطلق الآن: "إرحل يا سيسي".

لم يشعر نظام السيسي بالخوف. ربما شعر بالتحدي. فقرر النزول الى الميدان مستخدماً سلاح الفيديو نفسه، ولو بطريقة مثيرة للسخرية، عبر اللجوء الى أبواقه الاعلامية الداخلية التي يبدو أنها لم تنفعه كثيراً، ثم الى مريديه من الاعلاميين والفنانين العرب البائسين الذين يخشون على تأشيراتهم وبالتالي على حفلاتهم المصرية المجازة مسبقاً من أجهزة الاستخبارات.

كشف المقاول محمد علي عن فضيحة كبرى، لم يتنبه حتى الآن أنها تمس جوهر تكوين النظام في مصر، ليس فقط منذ الثورة الناصرية في مطلع الخمسينات، بل منذ التشكيل الاول للجيش المصري على يد مؤسسه الاول محمد علي باشا في النصف الاول من القرن التاسع عشر. لديه حساب خاص مع الرئيس وزوجته وكبار ضباطه، أراد تصفيته بواسطة موقع "يوتيوب"، وعندما لمس جماهيرية حملته المصورة قرر التحول الى قائد ثوري، يحث المصريين على الوقوف أمام مداخل عماراتهم ومنازلهم،لا أكثر. أما الشارع فهو ملك المقاولين الذين لا يبيحون للجمهور بأن يسترده! لم يصبح محمد علي قائدا ولا ثوريا بل شرارة لا أكثر. والشرارة قد تلمع وتختفي في اقل من لمح البصر، وقد تسقط على حقل جاف أو مواد متفجرة.


ظن النظام أن بامكانه إخفاء الفضيحة التي لم يستطع نفيها، أو صرف الانظار عنها، من خلال الاعتماد على موقع "يوتيوب" نفسه، الذي يسبق التلفزيون وحتى الفايسبوك وبالاسلوب العسكري الامني نفسه:فيديو مقابل فيديو، والبادىء أظلم، مفترضاً أن صاحب الشهرة هو المنتصر في معركة الصورة، مهما كان الصوت رديئاً، ومهما كان المضمون ساذجاً، او هو الذي يستطيع أن يفرض على الطرف الاخر شروط وقف إطلاق النار والهدنة.

الفضيحة أكبر مما توقع المقاول وإفترض النظام. الشرارة وصلت الى الشارع، الذي لم يعد يحتمل حملة الحكم المستمرة منذ ست سنوات والمبنية على نظرية أن مصر دولة فقيرة، يعيش32 بالمئة من  شعبها تحت خط الفقر، (الجوع)، حسب إحصاء أخير أصدرته الحكومة نفسها وأثار الكثير من الشكوك، وهي بحاجة الى الملاليم التي تسقط من جيوب المواطنين ومن حساباتهم، حسب خطاب شهير للسيسي نفسه.. ثم يتبين ان النظام نفسه هدر مليارات الدولارات على مشروعات وهمية او عبثية أو مشبوهة، آخرها مشروع القصور الرئاسية.

النزول الى الشارع، وليس البقاء على مداخل العمارات والبيوت، كان رداً عفوياً طبيعياً، محدوداً حتى الآن، لأنه مثلما لا يمكن السكوت على الفضيحة المدوية، لا يمكن التسليم أيضاً بأن المقاول السابق أصبح ثائراً أو قائداً. وكذا الامر بالنسبة الى التحليل الشعبي الشائع الذي يميل الى ترجيح الصراع داخل الأسرة والقيادة العسكرية، والإستنتاج بأن السيسي قد إستنفد كرئيس يمثل الجيش ويحمي مصالحه بدل ان يفضحها ويهددها.

مهما يكن، من أمر الجيش، فإن ثمة عاملاً حاسماً في مشهد ذلك الاضطراب المصري، هو ان جماعة "الاخوان المسلمين" هي للمرة الاولى في تاريخ مصر، خارج الجدل والاشتباه، وهي براء مما يدور في أروقة السلطة وفي الميادين والساحات، ومستقرة في حيز الاسطورة الذي تسكنه منذ عقود. وهذا مكسبٌ مهم  للحراك الشعبي الذي كان عنوان شرارته الاولى كسر حاجز الخوف، من نظام أجوف، يتآكل من داخله.. لكنه سيبقى فقط لأن ثماني سنوات على الثورة المصرية ، (والسورية والتونسية والجزائرية والليبية واليمنية والسودانية..) لم تنتج تنظيماً شبابياً واحداً، يشتغل بالسياسة، ولو على الفايسبوك او اليوتيوب. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها