السبت 2019/09/21

آخر تحديث: 07:20 (بيروت)

الحرب أسرع من "سيدر"

السبت 2019/09/21
الحرب أسرع من "سيدر"
increase حجم الخط decrease
خلال الأسابيع الماضية، وبوتيرة متسارعة، يشهد الاقتصاد اللبناني ضغطاً على الليرة نتيجة دولرة بعض القطاعات الرئيسية نشاطاتها، وارتفاع الطلب على الدولار على خلفية أزمة قبرشمون. ذلك أن الحكومة اللبنانية، ورغم التحديات الاقتصادية الكبيرة أمامها، تعطلت نتيجة الإشتباك الذي حصل في الجبل، وما نجم عنه من تشنّج انعكس سلباً على الثقة العامة وعلى الأسواق المالية أيضاً.

والسؤال الأساسي هنا هو لماذا لم تتعاط القوى السياسية الرئيسية بمسؤولية حيال هذا الملف، نظراً إلى أن الوضع المالي داهم، كما يقر الجميع اليوم؟ هل من الطبيعي أن مثل هذه الأزمة والاتهامات الكبرى المرافقة لها، أكلت من عمر الحكومة والبلد بأسره أسابيع كاملة، رغم الإقرار المتكرر للمسؤولين اللبنانيين بوجود أزمة مالية طارئة تتطلب إصلاحات مؤلمة؟

المشكلة هنا أننا أمام طبقة سياسية قصيرة النظر للغاية، ولا قدرة لها على إدارة أزمة من هذا النوع، بل تكمن الأولوية في المصالح السياسية الفردية للسياسيين فحسب، علاوة طبعاً على الحسابات الاقليمية للطرف الأقوى على الساحة السياسية اليوم، أي "حزب الله".

وأزمة قبرشمون التي بدأت في نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي، وما تلاها من تعطيل داخلي وتوتر سياسي-أمني، أطلقت العنان لسلسلة أحداث مالية سلبية. أولاً، بدأت ببعض الشروط المصرفية على التحويل من الليرة للدولار، ما انعكس سلباً على السوق السوداء حيث ارتفع الفارق مع سعر الصرف الرسمي بنسبة تتراوح بين 20 و40 ليرة لبنانية.

الشهر الماضي أيضاً، بدأت الجامعات تحصر تعاملها مع الطلاب بالدولار، وهذا انعكس سلباً على السوق اللبنانية، ولم تتخذ وزارة التربية أو المالية اجراء لرفض هذا القرار الغريب. ذلك أن تحصر 3 جامعات خاصة رئيسية تعاملاتها بالدولار الأميركي يعني تلقائياً ارغام آلاف كثيرة من العائلات على اللجوء الى تحويل المبالغ من الليرة اللبنانية، لدفع ثمن خدمة تُقدم غالباً من لبنانيين على الأراضي اللبنانية. 

ما حصل خلال الأسبوعين الماضيين من اتساع رقعة المتأثرين بهذه الهوة، من شركات خدمات الخليوي المتأثرين بالفارق في العملة، إلى طبعاً أصحاب محطات الوقود اللبنانيين الذين أضربوا احتجاجاً. 

وصل الأمر بهذه الأحداث الى أنها أثارت قلقاً أوروبياً. هنا، لا تخفي المصادر الدبلوماسية الغربية في بيروت حرصها على استقرار الاقتصاد اللبناني، لارتباط ذلك بمصالحها وأمنها. أولاً، لا ترغب هذه الدول في مصدر جديد للاجئين على ضفاف البحر المتوسط. وثانياً، تقلق من أن يلي التدهور المالي والأمني، صعود للتطرف الإسلامي العابر للحدود. ذلك أن العالم ما زال الى اليوم يواجه تداعيات التطرف الجهادي في المنطقة نتيجة الحروب الأهلية والقمع واستغلالها أو استثمارها في سياق الصراعات الاقليمية والمحلية. يبقى لبنان مرشحاً لهذا التهديد ولديه كل العناصر المطلوبة، وليس لدى أوروبا ودول غربية أخرى استعداد لأن ينزلق بلد آخر في المنطقة نحو الفوضى.

لكن الحرص شيء، والاستثمار بمبالغ هائلة دون شروط شيء آخر. لهذا أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد لقائه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أمس، على ضرورة "إعطاء لبنان الوسائل للقيام بالإصلاحات الطموحة لكي يستعيد وضعه الاقتصادي، بدعم شركائه الدوليين، وبثقة كاملة"، وربط ذلك بالالتزام الفرنسي بقرارات مؤتمر "سيدر" في نيسان عام 2018.

والواقع أن ما جاء على لسان ماكرون، نُسخة ألطف ودبلوماسية مما قاله مبعوثه إلى لبنان بيار دوكان. دوكان، وفي مؤتمر صحافي قبل أسبوعين، قال إن أموال باريس 1و 2 و3 أُنفقت بعد 18 شهرا من المؤتمر، لكن الوضع اليوم "مختلف"، لأن "الضمانات المطلوبة كبيرة وكلما سرعتم اكثر كلما أدى ذلك الى صرف الأموال". دوكان يُناقش في بيروت إصلاحات موازنة العام المقبل (2020)، ويتحدث عن مهلة شهور للنهوض بالبلاد وقرارات مؤلمة.

بما أن العقوبات الأميركية تتراكم وترتفع وتيرتها، والأمناء على "سيدر" مصرون على شروطهم الإصلاحية، تضيق أمامنا نوافذ الفرص. من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يراهن الواحد منا على طبقة سياسية جربناها مرات، وأفشلتنا وأحبطتنا في كل مناسبة. بل الأرجح أن يسحبنا تيار الصراعات الاقليمية إلى هوة أعمق، قبل أن يُمطر علينا "سيدر".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها