الخميس 2019/09/12

آخر تحديث: 15:20 (بيروت)

شينكر المتشائل

الخميس 2019/09/12
شينكر المتشائل
increase حجم الخط decrease
كان التشاؤم مرافقاً دائماً لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في جولته على المسؤولين اللبنانيين وعلى مجموعة من السياسيين والأصدقاء خلال جولته في لبنان. لم يبذل شينكر مجهوداً لإخفاء هذا التشاؤم البادي على محياه خلال جلسة مع الصحافيين، بل أظهره في حديثه عن المفاوضات المرتقبة وبوساطة أميركية بين لبنان واسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية. ذلك أن المسؤولين اللبنانيين لم يدخلوا معه في صلب الموضوع، بل يخوضون اليوم معه في إطار للمفاوضات، أو كما أوضّح، "إنها مفاوضات حول المفاوضات". 

من مصلحة لبنان حل مشكلة البلوكين 9 و10 لما فيهما من مخزون محتمل للغاز، ولأن ذلك أيضاً يُخفّض مستوى التوتر بين البلدين. لكن الغريب بالنسبة إلى شينكر هو التلكؤ اللبناني في الخوض بالمفاوضات، ويقول بوضوح إن سلفه في المنصب ديفيد ساترفيلد أمضى أكثر من سنة في هذه المهمة "وأنا لا أملك صبره". ينفد صبر شينكر، وبالكاد بدأ مهمته. بالنسبة له، يجب ألا يخشى اللبنانيون "التجار" و"الفينيقيون"، مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، سيما أن البدء بها لا يعني القبول بما سينتج عنها.

كان هذا المسؤول الأميركي الرفيع المستوى واضحاً في تشاؤمه حيال احتمال حصول المفاوضات، رغم عدم نطقه الصريح بذلك، بل فضّل استخدام مصطلح "التشاؤل" المتداول في الساحة اللبنانية. هو لا يرى جدية لبنانية في المفاوضات، لذا بدا سريعاً في إعلان ضيق صدره بها، محاولاً أن يرسم خطاً بينه وبين ساترفيلد "الصبور". ربما أراد أيضاً الإيحاء بأنه لا يُشبه السياسة الأميركية السابقة، بل الحاضر الترامبي، سيما أن شينكر يأتي من معسكر الجمهوريين في السياسة. كان مسؤولاً في وزارة الدفاع ابان عهد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، ثم عمل باحثاً في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى القريب من الجمهوريين.

ولولا أن شينكر يهوى الألبسة المريحة في لقاءاته عموماً، وليس في لبنان فحسب، لربط الواحد منا حذاءه الرياضي بالضيق الذي أبداه في حديثه عن مهمته التفاوضية. إنها مهمة غير مقنعة له، وعليه اتمامها كجزء من الوظيفة، وربما يُساعد حذاء رياضي خفيف على تمريرها بأقل قدر من المجهود.

لكن المُحيّر في أمر شينكر أن الرجل أكثر تعقيداً من أن يُوضع في سلة إدارة ترامب وخياراتها التقليدية. على مدى عقدين من الزمن، بنى هذا المسؤول علاقة مع لبنان وشخصيات لبنانية والتطورات المحلية والاقليمية هنا، ومن الصعب اختزال موقفه أو فهمه للبلد وسياسته ضمن إطار إيديولوجي مُحدد، بل الأرجح أن هذا توجه للإدارة الحالية أو ما تبقى منها، وهو يعمل بصفته أداة تنفيذية فحسب.

في العقوبات، كان الكلام أكثر جدية. عند سؤاله عن استهداف "جمال ترست بنك" باعتباره عقاباً جماعياً لطائفة كاملة، أجاب بأن الولايات المتحدة لم تستهدف سوى مصرفين فقط، في اشارة الى "اللبناني الكندي" سابقاً (وكأن استهداف مصرفين مجرد "فكة" في بلد مثل لبنان). 

ولا سياسة طائفية هنا، إذ ألمح شينكر الى استهداف رجال أعمال من طوائف أخرى. ذلك أن العقوبات ناجحة وتُؤتي أكلها، ومن الطبيعي أن تُكمل الإدارة مهمتها. هل تدفع الولايات المتحدة بسياستها لبنان الى الانهيار؟ الإجابة هي أن المؤشرات المالية تنخفض قبل وضع واشنطن عقوباتها. كما أن الولايات المتحدة تُوفر مساعدات مالية سنوية للبنان بقيمة تُقارب الأربعمئة مليون دولار، علاوة على مساعدات عسكرية "سخية" للجيش اللبناني.

طبعاً كلام شينكر غير مقنع، ذاك أن العقوبات الأميركية أحد المسببات الأساسية للقلق المالي على لبنان، رغم المساعدات الانسانية في مجال إغاثة اللاجئين. كما أن لتراكم العقوبات انعكاسات خطيرة على لبنان، مالياً واقتصادياً، لكن الإدارة الأميركية تُحمّل "حزب الله" مسؤوليتها، بصفته ميليشيا مستقلة عن إدارة الدولة.

في الحديث عن الحرب، كان شينكر مُتحفظاً في لقائه الإعلامي. وصورة اللقاءات الأخرى مع شينكر لم تبد مشجعة أيضاً، بل نُقل عن أحد المجتمعين به، حديث له عن مواجهة عسكرية تلوح في المنطقة نتيجة تعقيدات الأزمة الإيرانية. لم تعد هناك خيارات سواها. ربما هنا مصدر تشاؤم شينكر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها