الأربعاء 2019/08/28

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

جبهات إسرائيل الكثيرة

الأربعاء 2019/08/28
جبهات إسرائيل الكثيرة
increase حجم الخط decrease
يبدو أن إسرائيل قررت تغيير منهجية صراعها مع التشكيلات الخاضعة لإيران في الشرق الأوسط  ، إذ أخذت قواتها تقوم بهجمات متزامنة على جبهات عديدة. فقد توسعت إسرائيل في جغرافية ضرباتها في أواخر الأسبوع المنصرم  لتشمل العراق وسوريا ولبنان في آن واحد معاً ، مما جعل موقع "News.ru" الروسي يقول ، بأن تزامن الضربات اخذ يلعب دوراً رئيسياً في المنهجية الإسرائيلية الجديدة ، إلى جانب توسيع جغرافية الضربات الموجهة إلى التشكيلات الإيرانية .

ويرى الموقع المذكور ، أن توسيع جغرافية الضربات وتزامنها ، هي جزء من استراتيجية إسرائيلية جديدة حيال إيران ، وهي ليست كل ما يظهر من هذه الإستراتيجية ، التي أخذ يعتمدها نتنياهو مع جنرالاته.  لكنه يتساءل ما إن كانت الميزانية الحربية للدولة العبرية تتحمل أعباء مثل هذه الإستراتيجية ، وما إن كان على السلطات الإسرائيلية إعادة النظر في هذه الميزانية . فخطة "جدعون" السابقة ، التي وضعها رئيس الأركان السابق غادي ايزنكوت ، كانت تتضمن بنداً أساسياً حول بعض "المتنفس" ، الذي تتيحه "الصفقة النووية" مع إيران . إلا أن مخاطر التصعيد في المنطقة تتزايد بشدة ، وليس لدى رئيس الأركان الحالي أفيف كوهافي الكثير من الوقت لوضع خطة جديدة ، سيما أن الغموض في الميزانية يضيف مشاكل جدية . فمن جهة، أعلنت وزارة المالية عن عزمها على تقليص النفقات العسكرية بعد انتخابات الخريف القادمة ، ومن جهة أخرى ثمة حاجة لإصلاحات في المجال العسكري، سيما في يتعلق بالقوات البرية للدولة اليهودية ، على قول الكاتبين السياسيين ، اللذين نقل عنهما الموقع رأيهما هذا. وهما يقولان بأن الجغرافية الجديدة للمواجهة مع إيران تتطلب إنفاقاً عسكرياً أكبر، وليس من الواضح ما إن كانت القيادة الإسرائيلية الراهنة ستتمكن من معالجة المسألة . 

أما صحيفة القوميين الروس "SP" فترى أن إيران وليس إسرائيل ، هي التي تعمد إلى توسيع "منصة الحرب مع الأعداء في تل أبيب" . وتقول الصحيفة ، أن من المعروف سابقاً امتلاك إيران لتكنولوجيات متطورة نسبيا في صناعة المسيّرات ، لكنها لم تلجأ إلى استخدامها ضد إسرائيل ، بل ليس من معلومات ملموسة عن وجود دائم لمسيّرات إيرانية في سوريا . وتستند إلى هذا التأكيد للتشكيك بما قاله الناطق باسم الجيش الإسرائيلي من أن مقاتلي الحرس الثوري كانوا ينوون مع مقاتلي حزب الله شن هجوم كبير على شمال إسرائيل ، يستخدمون فيه المُسيّرات ذات التكنولوجيا المتطورة . فالمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لم يتحدث عن مُسيّرات تقليدية ، بل عن "مُسيّرات إنتحارية" ، أي عن تقنيات رخيصة تم تجميعها بطرق حرفية ، لا تستدعي التأسف عليها ، لدى إطلاقها محملة بالمتفجرات إلى  الجزء المحتل من القنيطرة . وكان ينبغي لهذه المُسيّرات الإنتحارية أن تقصف شمال إسرائيل نهار الخميس المنصرم ، إلا أن الهجوم لم ينجح ، على الرغم من أن المُسيّرات أقلعت في الجو، إلا أن الجيش الإسرائيلي تمكن من إسقاطها ، حسب زعم الناطق الإسرائيلي. غير أن الصحيفة تتساءل ، كيف وقعت هذه المسيّرات ، التي أُسقطت ، بيد حزب الله ، ويبدو ، برأيها ، أن أحداً لم يسقطها ، أو أنها لم تتمكن جميعها ، أو جزء منها ، من الوصول إلى أهدافها. 

إن ما يثير الشكوك الجدية في القصة الإسرائيلية هذه ، هو كيف كان يمكن لإيران ، التي تمتلك واحدة من أكثر تكنولوجيات المُسيّرات في المنطقة ، أن تتورط في استفزاز سخيف باستخدام مُسيّرات جُمعت في محترف . وتقول الصحيفة ، أن مصادرها في وزارة الدفاع الروسية تقول بأن الرواية الإسرائيلية مفبركة ، وأن ليس لدى إيران حالياُ، لا النية ولا القدرة على شن حملة عسكرية ضد إسرائيل. إن مشاركة ضباط إيرانيين في مثل هذه الإستفزازات أمر ممكن، لكنه على الأرجح بمبادرة شخصية ، أو بأوامر قيادات متوسطة المستوى. صحيح أنه توجد في إيران عناصر محافظة مقتنعة فعلياً بضرورة القيام بعمليات حقيقية "ضد الصهاينة"، وهؤلاء موجودون في الجيش أيضاً ، لكن نفوذهم محدود جداً على يد "العقلانيين" ، الذين يهيمنون حالياً على جميع المؤسسات تقريباً ، حسب الصحيفة . 

في المقابل ، ترى صحيفة القوميين الروس هذه ، أن الأمر كله مرتبط بمشاكل إسرائيل الداخلية ، حيث يشكل "التهديد الإيراني" عاملاً جدياً في السياسة الداخلية ، تستخدمه السلطة القائمة والمعارضة على السواء ، خصوصاً في هذه الأيام ، التي تسبق الإنتخابات المبكرة الشهر القادم . 

ليس غريباً على القوميين الروس تبرئة ساحة الإيرانيين من أية مسؤولية في أحداث الأسبوع المنصرم، فهم لا يخفون إعجابهم وحماستهم لنظام الملالي الإيراني "المعادي للغرب وقيمه" . أحد أبرز عناوين هؤلاء الروس ، الأيديولوجي السابق للكرملين ، بروفسور الفلسفة ألكسندر دوغين ، يرى في مقابلة له مع المجلة الإلكترونية "عالم الشيعية" في 26 من الجاري ، أن ثمة تقارباً بين العقلية الروسية وتقاليد مقولة "أهل البيت" الشيعية. ويقول بأنه مندهش من مدينة قم، التي زارها، "هذه المدينة، التي ينتصر فيها الروحي على المادي ، وحيث يعيش الناس الإيمان بالمقدس. إنها ، بمعنى ما ، مدينة ساحرة" . 

من جهة أخرى ، نقل موقع "VESTY" الإسرائيلي الناطق بالروسية عن الخبير العسكري الإسرائيلي في "يديعوت أحرونوت" ألكس فيشمان قوله ، بأن الصفعة الحقيقية ، التي تلقاها حسن نصرالله ، لم تكن في بيروت، بل في البقاع . ويقول بأنه لم تمض ساعات على تهديداته بإسقاط الطائرات الإسرائيلية في سماء لبنان، حتى ظهرت أنباء عن غارة جديدة على موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) . ويقول بأن إسرائيل كعادتها لم تعلق على النبأ ، لكن إذا صح أن إسرائيل قامت بالغارة ، فهذا يعني ، برأيه ، "تبدلاً جذرياً في ميزان القوى ، الذي نشأ بعد الحرب اللبنانية الثانية" العام 2006.

ويقول هذا المعلق ، أن سلسلة أحداث أواخر آب/أغسطس تشير إلى أن الوضع قد تبدل ، وأن عوامل الردع ، سواء الفعلية أم الوهمية ، قد توقفت عن العمل. وإذا صح أن إسرائيل هي ، التي قامت بالغارة في سهل البقاع ، فهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي بقيادة رئيس الأركان أفيف كوهافي جاهز لمجابهة الخطر، في سبيل بلوغ أهدافه . وتدرك إسرائيل أنه ، بعد الإنتصار على المعارضة في سوريا ، تحررت موارد لدى نصرالله من أجل الإقدام على "استفزازات جديدة" على حدود لبنان الجنوبية ، ولذا فهذا هو الوقت المناسب ، برأيه ، لوضع نصرالله في مكانه ، وتهدئة طموحاته . 

ويشير المعلق الإسرائيلي إلى أن نصرالله يدرك أن لبنان يعاني من أزمة إقتصادية شديدة ، وأن البلاد على حافة الإفلاس . وفي أيلول/سبتمبر المقبل ينبغي أن تبدأ مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان حول الحدود البحرية ، التي في حال نجاحها ، سوف تظهر لدى لبنان إمكانية لرفع حجم استخراج الغاز من الجرف البحري ، والحصول على المليارات من الأرباح . والمواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل سوف تُفقد نصرالله كل إنجازاته السياسية ، وتدفع لبنان إلى الكارثة الإقتصادية ، وإسرائيل ، إذ تعرف ذلك ، تدفع بالأمين العام لحزب الله إلى الزاوية وتهز أعصابه .

ويتساءل المعلق الإسرائيلي في الختام : ماذا لو كانت الغارة في البقاع تعني تبدل الإستراتيجية الإسرائيلية ؟ وماذا لو كانت إسرائيل تُفهم الحكومة اللبنانية من خلال الغارة ، أنها لن تسكت بعد الآن عن تهديدات حزب الله ، ولا عن تطوير قدراته العسكرية ؟

إن لجوء إسرائيل إلى فتح جبهات متعددة ومتزامنة في كل من العراق وسوريا ولبنان ، لا يحتاج إلى الكثير من التخمين والتبصير ، إلى أن قواعد اللعبة قد تغيرت فعلاً في المنطقة .  لكن ، لعل أغرب ما رافق أحداث الأسبوع الأخير ، كانت ردة فعل اللبنانيين، سلطة وشعباً عليها ، إذ بدا أنهم كانوا يصدقون فعلاً ، أنهم قد نجحوا في تحاذقهم بالنأي بلبنان عن الزلزال ، الذي يضرب المنطقة . 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها