الإثنين 2019/07/29

آخر تحديث: 17:18 (بيروت)

"اللي يتكلم عن مصر برّه"

الإثنين 2019/07/29
"اللي يتكلم عن مصر برّه"
وزيرة الهجرة المصرية
increase حجم الخط decrease

ارتفع صوت التصفيق المبتهج في سماء القاعة، وتطايرت ضحكات السعادة والطمأنينة حين رفعت وزيرة الهجرة المصرية، نبيلة مكرم، كف يدها نحو رقبتها، ثم سحبتها يميناً لترسم إشارة النحر الشهيرة، مرافقة لكلمتها أمام بعض أعضاء الجالية المصرية في كندا، لا سيما حين وصلت إلى نقطة "اللي بيتكلم عن مصر برة"، وتقصد بالطبع "المتكلمين بالسوء"، وبدقة أكبر "المنتقدين". وكانت مكرم قد وجهت سؤالها للحضور في تفاعل جماهيري يليق بوزيرة المصريين في الخارج: "اللي يتكلم عن مصر برة يحصل له إيه؟ قبل أن تجيب بنفسها  مع علامة الذبح: يتقطّع.


كانت تلك لحظة التصفيق السعيد، لم يصفق الجمهور ولم يتفاعل، حين رددت الوزيرة الكلام التقليدي عن حب الوطن، وحين خاطبت الحضور قائلة: "مصر اللي بتضّمنا كلنا، مصر بتقربنا من بعض، ومهما اتغّربنا ومهما رحنا وجينا بتفضل البلد دي داخلة كده في قلبنا، ومانستحملش كلمة عليها برة". كان ذلك اعتيادياً، مملاً، أقرب لأغنية لشيرين عبد الوهاب منه لعالم ترامب وبشار ومنشار جمال خاشقجي إذ أعادته إلى الأذهان كلمة "يتقطّع" التي لفظتها الوزيرة وسط الضحك والحبور والجزالة الوطنية.

لا إشارة الذبح ولا "التقطيع" كان يمكن توقعهما من  الوزيرة ابنة البرجوازية المصرية الراقية، وخريجة مدرسة سانت جين أونيد بالإسكندرية، ثم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة. الوزيرة "الشابة" التي لم تكمل عامها الخمسين، سليلة مدرسة الخارجية المصرية المتدرجة في سفارات وقنصليات مصر من روما إلى شيكاغو إلى دبي. قفزت فوراً إلى الذبح، إلى التشبيح، كأنها متعصّب يكاد لا يعرف القراءة، مع أنه حتى بين "العوام"، يقال عن الشخص الذي يجيد الكلام أنه "دبلوماسي". إلا أن السيدة الدبلوماسية المصرية ذات المنصب الرفيع، إحدى ثماني سيدات يشكلن حوالى ثلث الحكومة المصرية، وهو تمثيل نسوي يعدّ أحد أهم مكونات الخطاب الرسمي المصري في مواجهة الإرهاب، لم تتردد في  تهديد "الخصوم" مباشرة بإشارة الذبح، والأنكى أنه كان تهديداً "عفوياً".

"الكلام العفوي البسيط السلس، يصل مباشرة إلى قلب المواطن"، هكذا بررت الوزيرة تصريحها، معتبرة أنه قد تم "تحريف كلامها"! الاتهام بالتحريف ما زال مستخدماً، رغم الانتقال من عصر المطبوع إلى عصر الفيديو. وكما يزعم المشاهير أن حساباتهم على التواصل الاجتماعي قد سُرقت، حين يتورطون في كتابة منشورات تثير الغضب، وعلى سخافة هذا الزعم، اعتمد مسؤولون سخافة أكبر بإنكار مقاطع فيديو شاهدهم عبرها الناس صوتاً وصورة. الوزيرة حاولت إجراء تخفيف دبلوماسي على تصريحها الوحشي: "نقطع رقبته هي كلمة دارجة في العامية المصرية، وتعني شدة الغضب مما فعل أحدهم"، هكذا بررت، قبل أن تضيف: "أحد الحضور هو من قال نقطع رقبته (صوته غير واضح في الفيديو)". أما "يتقطع"، وإشارة الذبح من يد الوزيرة، فلم تلق تفسيراً رسمياً.

ربما كانت أبسط التفسيرات هي الأصح. ليست الوزيرة سوى وجه رقيق لنظام صارم. لكن ماذا عن الحضور، عن مصريّي كندا المبتهجين المصفقين للذبح والتقطيع؟  ليس من تفسير أبسط من أنه عصر اليمين القومي، حيث  تبرر "الوطنية" كل شيء. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب