الأحد 2019/07/14

آخر تحديث: 11:56 (بيروت)

"العصر الحجري" إذ يفضح لبنان

الأحد 2019/07/14
"العصر الحجري" إذ يفضح لبنان
increase حجم الخط decrease

لعل الامر متعلق بتكوين لبنان وحدوده وطبيعته وهوائه وغذائه. لكنه ثابت من الثوابت اللبنانية المستمرة: بين الحين والاخر، يظهر في لبنان "قائد" لا يكتفي بالقيادة المحلية، بل يتنطح للريادة الاقليمية وحتى العالمية. الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليس إستثناء، هو مجرد إستكمال لتقليد لبناني عريق، سبق أن شهد الكثير من الرموز الذين بسطوا راحتهم على خريطة الشرق ومدوا أيديهم الى الخريطة العالمية، وقدموا أنفسهم وجماعتهم، بصفتهم الرقم الصعب الذي يقلب المعادلات ويخرق الحدود.

قدم المسيحيون أكثر من نموذج مشابه، وتزعم السنة أكثر من "قائد" عابر للحدود، وأدمن الدروز في مختلف قياداتهم على التعبير عن ضيقهم بتلك الحدود وعدم الاعتراف بها. الى أن جاء دور الشيعة كي يبنوا على المظلومية التاريخية، واحداً من أهم مظاهر التمرد والعصيان، والخروج على الكيان، للالتحاق بالمحيط الرحب الذي كان ولا يزال يحتاج الى المتمردين الشيعة، ويتباهى بفورتهم الحماسية التي لا مثيل لها.

قد تكون حالة نصرالله وحزب الله فريدة من نوعها، في حماستها وتطرفها ومراكمتها تجربة طويلة من التحدي الذي وضع في بعض المراحل السابقة، الطائفة الشيعية في مواجهة حلف شمال الاطلسي كله، في إستعارة مشوهة لتجربة حلف وارسو الشهير، الذي يبدو أن زواله ضاعف العبء الملقى على كاهل شيعة لبنان ، وزاد من مسؤولياتهم الاقليمية والدولية ، حتى باتوا هم طليعة الصراع مع الاميركيين والغرب، ومقدمة الزاحفين الى القدس المكلفين وحدهم بمهمة إزالة دولة إسرائيل من الوجود.

المختلف في تجربة نصرالله وحزب الله وخطابه وبرنامجه، أن حالات الجنون اللبناني السابقة كانت منضبطة تحت سقف متواضع يرسمه الخارج، الذي كان معنياً على الدوام بعدم التفريط بحلفائه اللبنانيين، ودعوتهم الى التعقل والتروي، حرصاً على أنفسهم وعلى بلدهم وعلى العلاقة مع بقية طوائفه. الآن يبدو أن إيران لا تأبه لتهور حليفها اللبناني، ولا تمانع في أن يفشي الاسرار ويهدد الاقدار ويطلق التهديدات التي تتهيب طهران توجيهها.

التبرير المتكرر لتلك اللغة المتصاعدة هو أن نصر الله يهدد، فقط لكي يمنع الحرب على إيران ولبنان. لكن خطاب الردع معطوب من داخله، من تكراره، من عناصره نفسها..فضلا عن أن عيبه الجوهري يكمن في أن إعادة إسرائيل الى العصر الحجري، إذا كانت متاحة، لا يجوز أبداً أن تكون مرهونة قصف طهران. دمار غزة وحصارها كان وسيبقى دافعا إنسانياً وسياسياً أقوى وأشد لإنزال أقسى العقاب بالاسرائيليين. فالفلسطيني قريب لشيعة لبنان أكثر من الايراني، كما أن اللبناني السني والدرزي والمسيحي لصيق بشيعة لبنان أكثر من الايراني طبعا. ولهؤلاء جميعا الحق بالسؤال: لماذا الآن بالذات، ولأي مصلحة لبنانية او عربية؟

هو سجال قديم، لم يغير يوماً في لغة حزب الله ولا في مقاربته اللبنانية او في "طموحاته" الخارجية، التي يبدو اليوم أنها تواجه ساعة الحقيقة الايرانية، أكثر من أي وقت مضى من عمر ذلك الحلف المقدس. ولم يفعل نصر الله في كلامه الاخير سوى الكشف عن أن النظام الايراني يعيش لحظة مصيرية، تستدعي الوقوف الى جانبه، ومساعدته في توجيه او بالاحرى في تفسير التهديدات المتداولة في طهران والموجهة الى كل من أميركا وإسرائيل ودول الخليج العربي.

لا دليل حتى الآن على أن تلك التهديدات تؤخذ على محمل الجد، او تخدم حتى المصلحة الايرانية في زمن يفترض أنه يحيّد الحرب ويستبعدها ويبحث عن بدائلها. لكن، سبق للمسؤولين الايرانيين أن لاموا حزب الله في مناسبات عديدة، على خطابه المفرط في الحماسة، ورددوا أمام محاوريهم الغربيين أن ذلك الخطاب لا يعنيهم ولا يمثل وجهة نظرهم الرسمية، لأنه جزء من التكوين اللبناني وتعبيرعن طبيعة لبنانية أصيلة، كانت على الدوام خارج المنطق وخارج الحدود.   

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها