لكن عنصرية بوستات "الشارع الروسي" ، والتهجمات على منظمي أعمال الشغب والمشاركين بها من الجماعة الإثيوبية ، كان يلوح خلفها شعور يشبه الحسد لدى الإسرائيليين "الروس" ، على قول إيرينا بتروفا ، على موقع "Mignews" . فلم يكن يشك أحد ، بأن المحتجين سوف يحصلون بطرق احتجاجهم "البربرية" على مبتغاهم ، وبأن السلطات الإسرائيلية قد أدركت بأنه من الأفضل عدم المس بالوافدين من أثيوبيا ، وبأنها ، من الآن وصاعداً ، سوف تولي مشاكلهم اهتماماً ودينامية أكبر ، لكي لا تتفجر من جديد احتجاجاتهم ، التي شلت إسرائيل، حسب هذه الكاتبة من "الشارع الروسي" .
وتقول بتروفا في مقالة لها على الموقع المذكور تحت عنوان "من يخشى "الإنتفاضة الروسية"" ، بأن لدى "جماعتنا" مشاكل لا تقل جدية عن مشاكل الإثيوبيين ، و"نحن أكثر منهم بكثير" ، وكان بوسع "الروس" ، على قولها ، إجبار إسرائيل على أن تنشغل بهم ، لو أرادوا ذلك ، ولو وُجد منظمون بوسعهم قيادة الحراك . لكنها تستدرك ، وتقول ساخرة ، بأنهم لن ينزلوا إلى الشارع ، ولن يقطعوا الطرقات ويحرقوا السيارات ويرشقوا رجال البوليس بالحجارة ، وذلك لأنهم بشر "مثقفون ، حضاريون ، نؤمن بالديموقراطية" ، وبأنه سوف يهتم بهم ممثلو الجالية الناطقة بالروسية في الكنيست والحكومة. وتقول: لديهم "حزب بكامله" وسياسيون مدعوون للدفاع عن مصالحهم ، يصوتون لهم في كل انتخابات ، وهؤلاء يعدونهم قبل كل انتخابات برفع معاشات التقاعد والمساعدات ، وبالزواج المدني ووقف تسلط الحاخامية.
وتستطرد الكاتبة بسخريتها وتقول ، بأن هذه الوعود تصطدم دائما بعقبات ما ، مثل متوجبات التحالفات ، والمستقبل السياسي الشخصي ، ومناهضة الوزراء والنواب الآخرين . أما اليهود الأصوليون ، فيتضح أنه يمكن مجابهتهم قبل الإنتخابات فقط ، لكن يتعين مصادقتهم بعدها ، وعلى ناخبي "الشارع الروسي" أن يصبروا ويصوتون بكثافة ، لعل الوعود تتحقق في الدورة القادمة من الإنتخابات .
وتقول الكاتبة أن الجماعة الروسية تتقدم كثيراً في الحقل السياسي على الجماعة الإثيوبية ، ويجيد زعماؤها الخطاب السياسي ووسائل البروباغندا وتجارة التحالفات ، لكن ما فائدة الجماعة الروسية من كل ذلك ، إذا كان تمرد إثيوبي واحد قد أثبت أنه أكثر فعالية من عشرين سنة من النشاط البرلماني للسياسيين "الروس" .
وتتساءل بتروفا ، بأنه إذا كان السياسيون لا يستطيعون في الكنيست شيئاً ، فلماذا لا يجرب "الروس" الوسيلة ، التي اختبرها "مواطنوهم" الإثيوبيين الأقل صبراً ، وينزلون الناس إلى الشوارع ، سيما وأن لدى الحزبيين "الروس" خبرات تنظيمية يستخدمونها في حشد الناخبين لإسقاط القائمة "الصحيحة" في صندوق الإقتراع . وليس بالضرورة أن يلجأ "الروس" إلى تحطيم كل ما حولهم ، بل يكفي أن يظهروا بأنهم كثيرون ، وأنهم مستعدون للدفاع عن مصالحهم . ويكفي أن ينزل عُشر المليونية "الروسية" إلى طرقات إسرائيل ، حتى يلفتوا انتباه المجتمع والسلطات إلى احتياجاتهم ، ويظهروا بأن الأمر ليس سيان بالنسبة لهم ، ماذا سيطرأ على معاشاتهم التقاعدية ، وكيف سيعيش مسنّوهم ، وهل ستبقى الحاخامية تسخر منهم طويلاً ، على قولها.
لكن سياسيي "الشارع الروسي" يعتبرون ، أنه لا يمكن حشد ، ليس عُشر المليونية الروسية ، بل اقل من ذلك بكثير، وذلك لأنهم لم يجربوا ذلك ، برأي الكاتبة، بل هم يخشون أن يظهروا غير حضاريين في نظر زملائهم في الكنيست ، ويخسرون احترامهم، "لكن هل هذه مشكلتنا ؟" . وتذكر الكاتبة بأول تظاهرة حاشدة للوافدين الروس في تسعينات القرن الماضي ، حيث ساروا بهدوء في الشوارع ، وطالبوا بالسكن والمساعدات والعمل ، ووجدوا الترحيب والتشجيع من المارة في الشوارع .
وتقول الكاتبة بأن الجميع في إسرائيل يخرجون إلى الشارع للمطالة بحقوقهم ، و"الروس" وحدهم يوحي لهم سياسيوهم بأنهم شديدو التشتت وضعيفو التنظيم لمثل هذه الخطوة ، لأنه من المفيد لهم "أن يصورونا هكذا للمجتمع الإسرائيلي بأسره ، بل ولأنفسنا نحن أيضاً" . وإذا ما خرج "الروس" إلى الشارع ، حينئذ سوف يضطر هؤلاء الساسة ، وليس السلطة فقط ، أن يستمعوا إليهم ، وسوف يستغربون بأنهم يرون ، للمرة الأولى، مثل هؤلاء "الروس" ، الذين لم يكن اي منهم يتصور حتى وجودهم ، حسب قولها.
الصحافية التلفزيونية الإسرائيلية "الروسية" شاني بيرنبوم دفعتها موجة التعليقات حول إحتجاجات اليهود الإثيوبيين ، والقول بأن "الروس لا يجيدون الدفاع عن حقوقهم " إلى كتابة مقالة في موقع "vesty" الناطق بالروسية ـتحت عنوان "لماذا كنت أخجل أن أكون روسية في إسرائيل". قالت هذه الصحافية أن بعض معارفها يتندرون في ما بينهم ، بأنهم لا يتصورون "الروس" وهم يقومون بإقفال شارع يعالون بسبب عدم إمكانية زواجهم في إسرائيل، أو لأن ذويهم تنتظرهم شيخوخة مدقعة ، أو لأنهم سئموا تعابير وجوه الإسرائيليين "الأصليين" حين يعرفون بأنهم يتكلمون الروسية .
وتقول شاني هذه ، بأن "الروس" لا يحتجون ليس لأن لا مشاكل لديهم ، بل لديهم منها الكثير ، وهي ليست مرتبطة بلون البشرة . فقد ولدت هي في إسرائيل ، ودرست في المدارس الإسرائيلية ، وخدمت في الجيش الإسرائئيلي ، لكن الإسرائيليين" الأصليين" لا يتقبلونها كإسرائيلية ، بل تبقى بالنسبة لهم "روسية" لأنها ولدت لأبوين مهاجرين من مولودوفيا ، إحدى الجمهوريات السوفياتية السابقة .
وتدخل شاني في سرد طويل لأحداث طفولتها ، وكيف كان الإسرائيليون " الأصليون" يصرون على تذكيرها بروسيتها ، التي كانت هي تتهرب منها ، وتحاول نسيانها ، بما في ذلك نسيان اللغة الروسية والتوقف عن التحدث بها. لكن الشيئ الوحيد ، الذي لم تتمكن شاني من التخلص منه ، هو لون عيونها الأزرق وشعرها الأشقر ، مما يجعلها تشعر دائماً بأنها ليست يهودية "بما يكفي" ، وليست إسرائيلية "بما يكفي".
وتقول هذه "الروسية" ، التي تصر أن تصبح "إسرائيلية" وتنسى كلياً "روسيتها" ، بأنها لو نجحت في جميع الإختبارات ، التي تجريها الحاخامية للتحقق من يهودية الشخص ، فهي لن تنجح بأن يتقبلها المجتمع الإسرائيلي ، وسوف يستمر في البحث "عندي عن بقايا اللكنة الروسية" .
إن أزمة الثقة بين الجميع ، وحيال سائر المؤسسات ، هي مشكلة إسرائيل الرئيسية ، على قول أحد كتاب موقع "Detaly" . ويقول هذا الكاتب ، أن الأحداث الأخيرة في إسرائيل ، هي نتيجة انعدام الثقة الكلي "حيال بعضنا البعض" ، وهي تشبه كثيراً أعراض "حرب الجميع ضد الجميع" .
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها