الثلاثاء 2019/07/02

آخر تحديث: 00:04 (بيروت)

الفضاء المصري المغلق

الثلاثاء 2019/07/02
الفضاء المصري المغلق
أضحت الملاعب والمدرجات والشاشات هي الساحات الآمنة لممارسة الفعل العام (الصورة: أبو تريكة)
increase حجم الخط decrease

أربعة أيام بين الإعلان عن وفاة الرئيس السابق، محمد مرسي وبين افتتاح بطولة كاس الأمم الأفريقية في القاهرة. كانت تلك الفترة القصيرة كافية ليخمد الجدل الذي تجدد حول فترة حكم الرئيس الراحل وسياسات جماعته، وأن يهدأ تبادل اللوم على ما وصلت إليه الأمور. بضعة أيام فقط، تبددت خلالها الشماتة، ومعها شيء من نية المراجعات والكثير من الغضب. تلاشى هذا كله سريعاً، أو معظمه، حين جلس المصريون أمام الشاشات ليشاهدوا حفلة افتتاح البطولة الكروية.

وكان للجدل أن ينتهي سريعاً على أي حال، فهو لم يكن جدلاً حقيقاً، لا بمعنى أنه دار في معظمه في العالم الافتراضي والقليل من القنوات التلفزيونية والصحف، بل لأنه يجرى بين أطراف جميعها تدرك عجزها شبه الكامل عن الفعل، وعلى خلفية مجال عام سياسي تم محوه. ولم يجد أي من الأطراف المتحاورة رغبة ولا ضرورة في مراجعة ما حدث خلال السنوات الثماني الماضية، وتمسك الجميع بإلقاء اللوم على الآخرين. فلا معنى للاعتراف بالخطأ أو التصالح أو الندم، إذ كان الكل متيقناً بأن هذا لن يأتي بأي نتيجة، ولا يستحق الأمر تقديم تنازلات، ولو صُورية، أو ربما لأن العناد هو الشيء الوحيد الممكن اليوم.

أما حفلة افتتاح كأس الأمم الأفريقية، فلاقت استحساناً استثنائياً. صحيح أن المناسبات العامة والاحتفالات الرسمية أضحت فرصة يتم ترصدها لنقد الحكومة في مصر عادة، والسخرية من رغبات النظام المخزية أحياناً كثيرة في التباهي بأي ثمن. إلا أن الاحتفال الأخير، استُقبل من قبل الكثيرين - ومن ضمنهم معارضو النظام- بشعور صادق بالفخر. وفي الأغلب، فإن الاحتفاء الجماهيري بالافتتاح لا يمكن نسبته إلى مجرد التنظيم والإخراج الجيدين، ولا بإلقاء الاتهام السهل بأن الجماهير مغيبة. يحتاج الأفراد للجمعي دائماً، وفي الفترات الأكثر ظلاماً بالأخص، الحاجة للشعور بالانتماء تبدو أكثر إلحاحاً حين يصبح العمل العام بأشكاله محاصراً.

فرّق المحتفون بين الوطن والنظام، محاولين اقتناص القليل من البهجة وبعضاً من الشعور بالجمعي والعام والجماهيري، وهتفت الجماهير باسم أبو تريكة المغضوب عليه في المباريات تعبيراً عن المحبة الصادقة له، وتحدياً للنظام ضمناً. أضحت الملاعب والمدرجات والشاشات هي الساحات الآمنة لممارسة الفعل العام، وتُسقط الجماهير عليها وفيها ما هو أوسع من الرياضة، وعن وعي في معظم الأحيان.

أيام فصلت بين إلقاء القبض على عدد من منتسبي المعارضة العلمانية في قضية "الأمل"، وبين تفجر قضية التحرش المتورط فيها لاعب كرة القدم عمرو وردة. سريعاً تبدد الغضب والشماتة بخصوص القضية المتعلقة بالسياسة، وتركز النقاش حول وردة، عقوبته وتاريخه المشين وعودته مرة أخرى. ونال محمد صلاح هو الآخر، الكثير من النقد على موقفه المائع، وعلى توسطه لإعطاء زميله "فرصة ثانية".

تظل قضية التحرش سياسة، بلا شك، وربما سياسة أكثر واقعية وأكثر مادية من غيرها. لكنها سياسة تتم ممارستها هي أيضاً حول الملاعب وفي المدرجات، واحدة من الساحات القليلة المتاحة للنقاش والمنافسة وإنزال القصاص والشعور بالانتماء والغضب العام والبهجة العامة. ولا يبدو هذا كله إلهاءً أو مجرد تنفيس، كما يحلو للبعض أن يقول. انتهت قضية وردة بتواطؤ زملائه وبعقوبة رمزية، لكنها فتحت بلا شك أوسع نقاش حول قضايا المرأة وحقوقها في مصر، وورطت فيه قطاعات لم تكن معنية بها في الماضي.

وفي الخلفية، يفقد محمد صلاح بعضاً من شعبيته، فهو قد يحمل برمزية أكبر مما يجب، كما أثقلت الرياضة بأكثر مما تحتمل. تعود وتغضب الجماهير من الأداء السيء للمنتخب القومي، على الرغم من فوزه، ويشعر بعضها بالعار من أخلاقيات لاعبيه وسلوكهم، وما يبقى من هذا كله هو تأكيد تلك الضرورة الملحة للعام، تلك التي تأخذ صوراً عديدة، تحاصر أحياناً كثيرة، وتتسرب من مجال إلى آخر، وتكمن لأوقات طويلة، لكن لا يمكن إخمادها أو التحكم بها دائماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها