الإثنين 2019/06/24

آخر تحديث: 14:37 (بيروت)

تمخض الجبل فوَلد كوشنر

الإثنين 2019/06/24
تمخض الجبل فوَلد كوشنر
increase حجم الخط decrease
وأخيراً نطق طفل المعجزة. الخطة المالية الجهنمية للصهر والمستشار الرئاسي جاريد كوشنر، والتي باتت تُعرف باسم "صفقة القرن"، خرجت إلى الأضواء بعد سنتين من الانتظار "والإعداد". لا يحتاج الاستنتاج بأن الخطة لن تمر الكثير من التحليل، رغم مماحكة الممانعين وخيالهم الواسع في حبك المؤامرات.

لكن الخطة، كما في سابقاتها، تُرسي أسساً جديدة للعملية، وتخفض سقف التوقعات إلى حد رهيب، في الحقوق السياسية وفي المال أيضاً. وإخفاء الجانبين السياسي والأمني في الخطة، يُثير تساؤلات عديدة. ذلك أن التنازلات المطلوبة فادحة وصادمة لدرجة أن كوشنر وفريقه قررا لتمرير التنازلات الفلسطينية أن يسبق المال السياسة.

لكن ربما ما فات الصُهر الرئاسي أن المال والاستثمارات المعروضة أيضاً فضيحة بحد ذاتها. حتى ثمن الحقوق بات بخساً! خمسون مليار دولار (معظمها قروض) لفلسطين والأردن ومصر ولبنان، على مدى عشر سنوات، أي خمسة كل سنة. بعد تجربة الاتفاق النووي الإيراني، هل هناك من يُصدق التزاماً أميركياً لعشر سنوات؟

حتى على الصعيد الاقليمي، المال المطروح مثير للضحك، وأيضاً للعجب حيال مدى فطنة هذا الفريق.

تخيلوا مثلاً أن كل ما تردد خلال السنوات بل العقود الماضية، عن تسديد المجتمع الدولي، الدين العام للبنان، وهو قد تجاوز اليوم الثمانين مليار دولار، مقابل التوطين، خُرافة عظيمة. للبنان، خَصصت الخطة ستة مليارات دولار أميركي فحسب، وهي فوائد الدين العام. لذلك على الناطقين بهذه الخرافة ليلاً ونهاراً الكف عن تردادها لأنها محض ترهات. "سعر" التوطين هو ستة مليارات دولار أميركي أغلبيتها الساحقة من القروض المُيسرة للبنان.

والواقع أن القروض وبضعة مئات الملايين من الهبات، ليست كلها مشاريع خالصة للبنان، بل تخدم سلسلة مشاريع إقليمية تربط اسرائيل بمحيطها، وتُحولها لمركز لوجستي واقتصادي. بكلام آخر، حتى هذا المبلغ الصغير نسبة لما يتوقعه الجانب اللبناني لقاء التوطين، مرتبط بتعزيز الدور والمركز المتفوق لإسرائيل.

حتى عند التمعن بما تحمله الخطة للجانب الفلسطيني، وهو صاحب الحق الأساسي، الواقع صادم. بعد أكثر من سبعة عقود من الاحتلال والقتل والسجن، لن يدفع الإسرائيلي فلساً واحداً. العرب سيدفعون رشوة الاستسلام الفلسطيني الكامل، وبالتقسيط المريح.

تحمل هذه الخطة أسس السلام الجديدة. أولاً، وكما قال كوشنر نفسه، لا يملك الفلسطينيون نضوجاً لإدارة دولة. هذه الصفقة تُكرس الحق الاسرائيلي في الاستيطان في الضفة الغربية، على حساب الفلسطينيين. يحصل الفلسطيني على الفتات في بلداته ومخيمات اللاجئين، مقابل استثمارات طويلة المدى، أغلبها قروض ستُثقل كاهله.

ثانياً، لا يريد الأميركيون فعلاً اغراء الفلسطينيين سوى بقروض مُيسرة. لا يرى كوشنر وأقطاب فريقه، حتى ضرورة لدفع أثمان عالية للجانب الآخر. هم يستثمرون في الجوع ويُكملون سياسة الحصار، برمي نصف جزرة للجانب الفلسطيني.

لسنتين، أخفى "الصهر الرئاسي" خطته عن الأضواء والاعلام والسياسة، وكأنها سر عظيم لا يصلح لأن يتداوله العامة. والحقيقة أن هذه السرية ساعدت كوشنر في إسباغ جدية عليه لا يملكها. ذاك أن من ينظر الى وجهه الطفولي وهو يهم بالنطق، يخال له لوهلة أن كوشنر سيسأل "أين الماما"؟

هو اليوم مُخول بتوجيه إهانة كبيرة للمنطقة وسكانها. حقوقهم مهدورة وسعركم بخس.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها